الخميس، 25 أكتوبر 2012

نحو بناء حالة سياسية مدنية جديدة

Forward to build a new civilian political st 



بعد سنوات من نهاية الحرب الأهلية في لبنان، وتحديداً مع بداية العام 2000، شهدت الساحة اللبنانية نمو مجموعة من الحركات والجمعيات واللقاءات ذات الخلفية اللاطائفية والأبعاد المدنية والعلمانية، حاولت تنظيم نشاطات تثقيفية واقتراح مشاريع تساهم في بناء الدولة المدنية.


تنوعت هذه المجموعات الناشطة بين سياسية واجتماعية وثقافية، فساهمت في بث قيم المواطنية ومفاهيم الحريّة وحقوق الإنسان بين أفراد المجتمع وخاصة الفئات الشابة منه.


ومع الأحداث السياسية المُتلاحقة منذ استشهاد الرئيس رفيق الحريري في العام 2004 وظهور الانقسام العامودي الحاد بين اللبنانيين من خلال اصطفاف 8 و 14 آذار، والمواجهة الحادّة التي أخذت في كثير من الأحيان طابعاً طائفياً، وأدّت على الأرض إلى مواجهات دمويّة مُسلّحة تحت غطاء ودعم خارجي، حاولت هذه الحركات العَلمانية واللاطائفية المُتواضعة بإمكانياتها الماديّة (لا نقصد الجمعيات ذات التمويل الأجنبي) إبقاء حيّز من الحيويّة لنشاطاتها، وتشكيل فسحة سياسية وثقافية أولويّتها بناء الدولة المدنية العلمانية وتحسين الوضع الاجتماعي المعيشي للمواطن اللبناني، غير أنها لم تتمكن من الظهور بالشكل المطلوب وإيصال صوتها إلى أكبر عدد من الناس، وساهم في ذلك الاصطفاف الاعلامي المُسَيّس تبعاً لتبعية الوسائل الإعلاميّة. فظل الشباب اللاطائفي، رغم نضاله لا يستطيع تشكيل رأي واضح بأولويته التي يناضل عليها، ألا وهي "أولويّة بناء الدولة المدنيّة العلمانيّة"، وظلّ متأثّراً بشكل مباشر أو غير مباشر باصطفاف 8 و 14 آذار، وينحاز عند ارتفاع سقف الخطاب التحريضي، إلى أحد هاتين الحركتين.


حاولت المجموعات اللاطائفية والعلمانية العودة من جديد إلى الظهور في العام 2005 و 2006 من خلال سلسلة نشاطات في الجامعات وبعض النشاطات الكبيرة الجامعة ومنها مؤتمر العلمانيين في أيار 2006، غير أنّ عدوان تموز الاسرائيلي على لبنان، جعل هذه المجموعات ترتدي عباءة الحركات الإغاثية فتحولت مراكزها إلى مستودعات لتوزيع المساعدات واستقبال العائلات المُهجّرة وانبرى شبابها للمشاركة في العمل التطوعي في المدارس التي أوت النازحين من جنوب لبنان وفي توزيع المساعدات والوجبات الغذائية في المناطق.


مع استقرار مستوى الخطاب السياسي في العام 2009، عاد نشاط هذه المجموعات للظهور بِقوة أكبر وخبرة أرفع، لتحاول إعادة التمركز وإعادة خلق مساحة مُتجدّدة لها على الساحة اللبنانية وحالة سياسية نوعيّة مختلفة عن الواقع السياسي الموجود، وقد ساعد في هذا الأمر تدنّي ثقة عامة اللبنانيين، وتحديداً فئة الشباب منهم بفريقي 8 و 14 آذار، وحالة الاستياء والقرف التي بدأت تظهر بشكل أكبر بين الناس. فانعقدت عدة لقاءات جامعة لهذه المجموعات كاللقاء العلماني في العام 2010، الذي ظهر بعد مسيرة العلمانيين. وتـُوِّجَت هذه الفترة بظهور حراك إسقاط النظام الطائفي في العام 2011 ومظاهراته خارج اصطفاف 8 و 14 آذار، على خلفية الثورات العربية وعلى خلفية النقمة الشبابية الداخلية ضد الواقع الحياتي "المعيشي والطائفي" المُتردّي في لبنان، وعلى خلفية رغبة عامة بظهور بديل يسمح للشباب بالخروج من بوتقة هذا الاصطفاف.


وقد نجح حراك اسقاط النظام الطائفي في وضع الأسس لمستقبل تحركات هذه المجموعات وهي:


1- تأكيد إمكانية حشد مجموعة كبيرة من الشباب اللبناني اللاطائفي والعلماني على خطاب واحد.


2- خلق خطاب مُوحّد عنوانه بناء الدولة المدنية العادلة بسلتين: الأولى اصلاحية مدنية بمواجهة النظام الطائفي، والثانية معيشيّة.


3- تدعيم فكرة بناء حالة سياسية بديلة للشباب اللبناني عملها واضح وشعاراتها مُتحرّرة من اصطفاف 8 و 14 آذار.


ورغم توقف هذه المظاهرات مع صيف العام 2011، إلا أنّ فعلها المُتراكم في الإطار العام لعمل هذه المجموعات الشبابية قد أدّى واجبه المطلوب، ورفع بهم خطوة متقدمة في إطار عملهم على الأرض.


لا شك في أنّ العام 2012 يحمل وضوحاً أكبر في الرؤية عند الشباب اللاطائفي والعلماني، ويتضمن تحديداً أكبر في خطابهم على "أولويتهم الأساسية: أولية بناء الدولة المدنيّة" بغض النظر عن مواقفهم من مواضيعَ ذات أولويّة يحملها اصطفاف 8 و 14 آذار من دعم للمقاومة أو دعم للمَحكمة الدولية أو اصطفاف في محاور اقليمية أو دولية.


هؤلاء الشباب يتمسكون اليوم بأولويتهم هذه، ويرغبون في العمل عليها، بغض النظر عن المواقف من المواضيع المحورية السياسية المطروحة والتي قد يكون لهم مواقف منها، لأنهم أصبحوا أكثر ثقة بالأولوية التي تبنوها والتي- بنظرهم- تخدم وطنهم ومواطنيتهم خير خدمة وتعبّر عن قناعتهم وثقتهم بأن ما يعملون له من شأنه أن يخدم، على المدى البعيد، السلم الأهلي والمقاومة والقضاء النزيه. فهم ليسوا بالضرورة ضد بعض شعارات تطلق في الاصطفاف، لكنهم بالتأكيد ضد الاصطفاف السياسي والذي يعتمد على التحريض والشتائم وينتج عنه الاقتتال والحواجز الطائفية ! والذي كفر به اللبنانيون في السر والعلن، وفقدوا ثقتهم به.


عند كل حادث كبير جديد، نلتمس وعي الشباب من أنّ هذا التحرك السياسي المدني اللاطائفي لن يتراجع كما كان يحدث في السابق، بل تمتّن أكثر، وهو عند كل حادث لبناني أو إقليمي يتطور ويظهر بشكل أكبر ليتابع بناء الحالة السياسية الخارقة للنظام الطائفي ولواقع فرضته قوى داخلية وخارجية على اللبنانيين !


باسل عبدالله


24/10/2012