مقالات Articles

افتتاحية مجلة تواصل مدني- العدد 22 عن شهر نيسان/ أبريل 2018





منذ سنوات رفعنا الصوت وتظاهرنا مُطالبين باعتماد النظام النسبي في الانتخابات النيابيّة. وعندما طُرِحت النسبيّة جدياً على بساط البحث في مجلس النواب هللنا لذلك. لكنّ التمني تحوّل إلى خيبة، والنظام النسبي الذي انتظرناه طويلاً صار بسحر الطبقة السياسية الحاكمة نظاماً مُشوّه المضمون، مُرتّب على قياس قوى الأمر الواقع.



انتظرنا أن يتخلص نظامنا السياسي من نظام أكثري شرّع المَحادل وثبّت احتكار الطبقة السياسيّة الحاكمة للتمثيل السياسي في لبنان لسنوات طوال، ففُوجئنا بخدعة نظام جديد، ضاعَ في دهاليز تعقيداته مُبتكروه، قبل أن نضيع بدورنا نحن!



لسنا بمُتشائمين، لكنّ نظام الانتخابات الجديد لا يمكن أن يُرضي القوى الطامحة إلى تطوير النظام السياسي في لبنان من خلال وضع قانون انتخاب حديث يعتمد نظام الاقتراع النسبي ما يُحقّق التمثيل الصحيح للمواطنين.

فرضَ النظام الجديد عودة خطاب التجييش الطائفي إلى الواجهة، كما فرضت شروط "الحاصل الانتخابي" و"الصوت التفضيلي" و"الدوائر المُصغّرة" تفرّق حلفاء الأمس كلٌ في لائحته الخاصة، واجتماع مُتنافسي الأمس في لوائح مُوحدة، فغابت المشاريع لصالح المصالح الضيقة والمنافسات و"الحظوظ المفترضة للمرشحين"، وعمّ الهرج والمرج الساحة الانتخابيّة.

كما لو أن الطبقة السياسية في لبنان أرادت - ولو بشكل غير مباشر- أن يطفح الكيل باللبنانيين من هذا النظام ويتمنوا الخلاص منه حتى قبل تطبيقه!

تشهد الساحة الانتخابية اليوم عجقة مُرشحين، منهم جزء لا بأس به من الناشطين المدنيين الرافضين للأمر الواقع والساعين إلى التغيير، لكن حظوظ القوى المُعارضة للسلطة والمُرشحين المستقلين تبقى ضعيفة في هذه الانتخابات، وإمكانية خرق هؤلاء تظل صعبة في ظل القانون الحاضر.

المسيرة مُستمرّة، سواء حصلت الخروقات أم لم تحصل، والسعي سوف يتجدد بعد السادس من أيار لتصحيح التشويهات التي اعترت قانوننا الانتخابي اليوم، عسى أن ننجح في فرض اعتماد النسبية الصحيحة وباقي الإصلاحات في القانون الانتخابي اللاحق. فنحن لا 
نملك سوى الإرادة والأمل

باسل عبدالله

افتتاحية مجلة تواصل مدني- العدد 21 عن شهر كانون الثاني 2017



إذا كانت السيادة وفقاً لمعظم التعريفات المُتداولة في العالم مفهومٌ يرتبط ببناء سلطة مُستمدة من قرار الشعب لا من أية قرارات أخرى خارجة عن إرادته.

وإذا كان الاستقلال مفهوم ترجمتُه "تحرّرُ شعبٍ ما من نيرِ احتلالٍ عسكري أو سطوةٍ أو هيمنة تختزل قراره".

فإنّ حال لبنان سيء على مدى تاريخه، في معاناته الأمرّين، من احتلال وسطوة وهيمنة لا زالت تلاحقه بأشكال مُتنوعة.

ولا شك أنّ أسباباً عديدة تلعب دوراً محورياً في انتقاص هذه السيادة أو الاستقلال.

يطرح تيار المجتمع المدني في أحد مبادئه إشكالية السيادة، إذ يعتبر أنّ أحدى منطلقات تكوين المواطن الحر وبناء مجتمع الإنسان يكمن في "بناء  لبنان الوطن المستقل السيّد، الذي يعيش فيه المواطن بالتفاعل والحوار بحرية تامة، ويتمتع بحقوقه كاملة، ويؤدي واجباته". ويعتبر أنّ "لا سيادة ولا حرية في ظل النظام الطائفي والمذهبي والعشائري".

ربما يتساءل القارئ عن ماهية علاقة النظام الطائفي والعشائري بما يشهده اليوم لبنان من أزمة سيادة أضحت واضحة المعالم بشكل كبير، تتنافس في خضمّها دول إقليمية وأجنبيّة للهيمنة على قرار لبنان مع أو ضد هذا المحور أو ذاك. وتكثر التحليلات حول أسباب هذا التجاذب، فالبعض يُؤكد أنّ السبب موقع لبنان في شرق أوسط مُلتهب، والبعض الآخر يعيده إلى وجود العدو الاسرائيلي واستمرار احتلاله لجزء من أراضي لبنان، وآخرون يربطون السبب بسلاح حزب الله، وأكثر من يصيب برأينا يربط السبب بتبعية زعاماتنا لقوى ودول إقليمية وأجنبية.

وإذا ما أيّدنا بالرأي السبب الأخير كسببٍ محوري دائم استمرّ ولو بوتيرة مُتفاوتة عبر تاريخ لبنان، فإنّ مردّ هذه التبعيّة كانت دوماً ولا تزال مُتعلقة بمفهوم "حماية الطائفة" من قبل دولة "حامية" تتبنى زعيماً طائفياً أو تدعمه، فيختلط مفهوم الحماية هنا بمفهوم التبعيّة، وما يبقى ثابتاً هو أنّ تطييف العلاقة هو الشرط الأساسي لدى الزعيم الطائفي لبقائِه - بنظر جماهيره - حامياً لطائفته من "غزوات" محتملة من الطوائف الأخرى.

أجّجت الحرب الأهلية في لبنان هذا التصوّر، وجعلت من الزعماء مصدر أمان لأبناء الطوائف، كما ربطت الحرب هذه الزعامات بتبعيتها الاقليمية أو الأجنبيّة، فزاد النفوذ الغريب على لبنان وتكاثرت الدول التي صبَت إلى التحكم بقراره، وبالمقابل تضاعَفَ تحكّم الزعامات بجماهيرها وارتباط هؤلاء عاطفياً بها وأيضاً مادياً (بنتيجة تدفق مساعدات الدولة الحامية إلى الزعيم).

الحاجة مستمرة في لبنان لقوىً لا طائفية وعلمانية تشدّد رفضها التبعيّة للخارج، وتعمل على بناء المواطن الفاعل وتأمين أدنى حقوقه المدنية والاجتماعيّة، في سبيل تعزيز انتمائه لمواطنيته على حساب انتمائه للزعامة وبالتالي على حساب رضاه وتبريره لتبعيّة قوة خارجيّة لزعامته، والتي يظن خطأً أنها حماية لطائفته ولوجوده في بلده.

إنّ أُسُس تنظيم الحالة المدنية اللاطائفية والعلمانية مُتوفرة، يبقى واجب العمل الجدّي لبناء تيار مدني مستقل علماني فاعل يعمل على مساحة الوطن.

                                                                                                                    باسل عبدالله


افتتاحية مجلة "تواصل مدني" العدد 20 عن شهر آب 2017:



في زحمة تقاسم الحصص والتسابق على المكاسب وتفضيل المصالح الفئوية الخاصة بكل مجموعة سياسية مُشاركة في الحكم على حساب المصلحة العامة المُشتركة لجميع المواطنين، يُصبح طبيعياً ارتفاع الأصوات المُتسائلة عن دور المواطن في جميع ما يحدث؟ وأسباب رضوخه للأمر الواقع وقبوله باستمرار دورانه في هذه الدوامة التي تُهدَر فيها حقوقه الأساسيّة والطبيعية في وطنه.

ورغم وجود أصوات كثيرة ترفض وتُواجه وتسعى إلى التغيير وتشكّل أحياناً ضغطاً حقيقياً على أقطاب السلطة السياسية في لبنان، غير أنّ هذه الأصوات بقيت إلى حدٍ بعيد ما دون المُرتَجَى، تنتظر من يستقبل صدى صرخاتها ليحمله معها ويُوسِّع دائرة الاحتجاج في مواجهة الهدر والفساد الذي يأكلجسد الوطن.

قد يحتجُّ البعض بأنّ المواطن اللبناني مُحبط ولا يتأمل تغييراً، وبأنه أسير المجتمع الطائفي الذي يعيشه، والذي يجعله مُرتبطاً ارتباطاً عاطفياً ومَصلحياً بزعيمه المُكرَّس صلة الوصل بينه وبين دولته، وهذه التبعية تحرمه من حقوقه الأساسية التي يجب أن يحصل عليها من الدولة باعتباره مواطناً، غير أنّ هذا الاحتجاج لا يمكن أن يُبرر تغاضي المواطن المُستمر عن المطالبة بحقوقه الأساسيّة، وتحديداً عنصر الشباب الذي من المفترض أن تنطلق عبره مسيرة تطوير مجتمعه نحو الأفضل للتغيير. 

إنّ القوى المدنيّة الناشطة في لبنان التي تسعى إلى التغيير، ومنها التي تسعى قريباً إلى خوض غمار الانتخابات النيابية، مُطالبة بتطوير وسائل التواصل مع الشباب اللبناني والإضاءة على حقوقه المَسلوبة وعلى وسائل المواجهة المُمكِنة في سبيل تطوير نظامنا وتحسين واقعنا المعيشي والحياتي.

يبقى أن نتأمل تطوّرالمفاهيم ونُضج الوعي في مجتمعاتنا، كي نتخلص من واقع عبّر عنه يوماً المُفكر أديب إسحق في مقولته: "قضى على الشرق جهل عامته، واستبداد خاصته، وتعصب رُؤسائِه"!

                                                                                                                      باسل عبدالله

افتتاحية مجلة "تواصل مدني" العدد 19 عن شهر نيسان 2017:


سقطت جميع ذرائع القوى السياسيّة في لبنانالمتعلقة بأسباب تأخير إقرار قانون انتخابات جديد يمثل كافة شرائح المجتمع ويُعزّز مفهوم المواطنة، مع تقاذف هذه القوى فيما بينها الاتهامات بهذا الشأن.

وفي ظل هذا التجاذب والبلبلة القائمة في البلاد، سعى بعض المُستفيدين إلى تمرير مشاريع قديمة جديدة تُخالف الدستور اللبناني والقوانين وتتعدّى على حق المواطن في الوصول الحر إلى أملاكه العامة في مناطق مختلفة من لبنان، من شاطئ الرملة البيضاء إلى حرش بيروت، إلى دالية الروشة، إلى ميناء طرابلس، إلى شاطئ عدلون وغيرها... ناهيك عن مشاريع زيادة الضرائب على المواطنين من ذوي الدخل المتوسط والمحدود والفقراء.

وتزداد مسؤولية القوى المدنية الفاعلة في التصدي للفساد، وفي رفض الضرائب، وفي الضغط من أجل إقرار قانون انتخابات تمثيلي، وفي مواجهة التعديات على الأملاك العامة والمساحات العامة. لكن هذه المسؤولية تتشتت مع تشتُت هذه القوى، وعدم تمكنها حتى اليوم من تشكيل جبهة مُوحدة أو تنسيقية للعمل المدني المشترك.

وقد يكون هذا التأخر في تنظيم العمل المُشترك لهذه المجموعات، أحد العقبات الأساسيّة التي تفسح في المجال لاستمرار قوى الأمر الواقع في تمرير المخالفات المستمرّة للدستور والقوانين أو التغاضي عنها.

إن حجم الفساد والمحسوبيّة يستوجب لمّ شمل القوى المدنيّة وتوحيد جهودِها من أجل مبادراتٍ أكثر فعالية تحوًلها بالفعل إلى حائط دفاع أول قوي عن حقوق الناس في لبنان.


سنعرض في عدد مجلة "تواصل مدني" الحاضر أبرز التحركات المدنية المشتركة التي شهدها لبنان في الأشهر الماضية إضافة إلى مواضيع أخرى متنوعة، على أمل أن تتحول هذه التحركات الخجولة المتفرقة إلى منطلقٍ لعملٍ جماعي أكثر تنظيماً يُشكل، بإرادة جميع أطراف هذا العمل، بادرة عمل سياسي مدني له وزنه على الساحة المحليّة في لبنان، في مواجهة القوى السياسية الطائفية التقليديّة.

باسل عبدالله

افتتاحية "تواصل مدني" العدد 18 عن شهر كانون الثاني 2016:




يتناول هذا العدد الخاص من مجلة "تواصل مدني" موضوع الاصلاحات الانتخابيّة في لبنان ونظام الانتخاب ومشاريع القوانين المقترحة في هذا الصدد.

كما يتضمن أيضاً جولة عامة على الخطوات التي قدّمها تيار المجتمع المدني في هذا الإطار وعلى التحركات التي خاضها، جنباً إلى جنب مع القوى المدنية في لبنان، للمطالبة بإصلاح القانون والنظام الانتخابيين وبقانون انتخابات نسبي يعتمد الدوائر الكبيرة، وعلى المجهود الذي قدمته هذه القوى في مواجهة التمديد لمجلس النواب مرتين ورفض تعطيل مؤسسات الدولة في لبنان.

رغم أنّ الطبقة السياسيّة الحاكمة نجحت في تمرير مُعظم انتهاكاتها للدستور وضربت بعرض الحائط أهم قيم النظام الديمقراطي، غير أنّ عمل القوى المدنية نجح في الوقوف بوجه هذه الانتهاكات، في زمنٍ تضاعف فيه الاحباط العام لدى عامة الناس من إمكانية تغيير الواقع، فأعادت هذه القوى الزخم إلى الشارع وشكّلت قوةً ضاغطة بوجه مشاريع الساسة الخاصة، ساهمت في الإضاءة على الفساد المُتفشِّي وعلى مخالفة القوانين المُستمر في ظل النظام الطائفي القائم. ولا شك أن التاريخ سوف يشهد على أهمية الدور الذي لعبته وما زالت تلعبه هذه القوى مُجتمعة، والذي مهد في تلك الفترة الزمنية لتحركات حقوقية ومعيشية كبيرة شهدها لبنان في السنوات الأخيرة، وفي مقدمتها حراك اسقاط النظام الطائفي في العام 2011 والحراك المدني في العام 2015.

سنُحاول من خلال هذا الإصدار أيضاً الإضاءة بشكل مختصر على أنواع قوانين الانتخاب لتعريف القارئ بها، وذلك بشكل مُبسّط.
نأمل أن يُساهم هذا العدد في تقديم المعلومات الأساسية حول الاصلاحات الانتخابية وعرض مرحلة مضيئة في عمل الشباب المدني والعلماني في لبنان، خاضوه من أجل الحفاظ على ديمقراطية نظامنا وتطوير قوانينه وعصرنتها وترسيخ مفهوم المواطنية في نفوس أفراد هذا المُجتمع.

باسل عبدالله

افتتاحية "تواصل مدني" العدد 17 عن شهر آب 2016:



جاءت نتائج الانتخابات البلدية التي شهدها لبنان في شهر أيار 2016 في بيروت والمناطق لتؤكد توق الناس للتغيير، وتأييدهم المشاريع والخيارات التنموية التي حملتها وجوه شابة رفضت الانصياع والخضوع لمحادل السلطة السياسية الطائفية المُهيمنة على القرار السياسي في لبنان.

تمكّن عددٌ من الشباب من أصحاب المشاريع والأفكار التغييرية، من خرق لوائح السلطة في عدد من المجالس البلدية أو من تشكيل حالة منافسة جديّة تقف بوجه مُرشحي السلطة.

وإذا كان المواطن اللبناني مُتّهماً بأنه "طُول عمره هيك بينتخب نفس الناس"، فهذا الاتهام يأخذ طريقه إلى السقوط والزوال يوماً بعد يوم، مع تضاعف الوعي بين الناس على فساد الطبقة السياسية ومسؤوليتها عن الحالة المعيشية الصعبة التي يعيشونها وعلى دورها في تسارع انهيار النظام الديمقراطي بعد تعطيل معظم المؤسسات الدستورية في لبنان.

بحصول الانتخابات البلدية، خاصة في المناطق الحدودية البقاعية والجنوبية والشمالية، سقطت ذريعة السلطة السياسية بفرض التمديد لمجلس النواب وبتأجيل الانتخابات النيابيّة مراراً وتكراراً منذ أعوام بحجة وجود واقع أمني يحول دون ذلك، وتأكدت حقيقة أن المصالح السياسية والقرار الإقليمي الدولي كانا السببين الأساسيين اللذين حالا دون إجراء الانتخابات.

في المحصلة، ورغم عدم اكتمال نضوج تجربة المرشحين للانتخابات البلدية، فإنّ ترشح الكثير من الناشطين المدنيين إلى الانتخابات ولو بمبادرات فرديّة، شكّل انطلاقة جديدة للحراك المدني، مختلفة عن طبيعة العمل الميداني الضاغط في الشارع الذي كان أداة الحراك الأولى في التعبير والتنفيذ، وأكد إمكانية الشباب المدني قيادة التغيير من خلال العمل السياسي والمدني، هذه المرة ومن خلال مشاريع تلبي حاجات الناس وتطلعاتهم الحقوقية والمعيشية.

بمزيد من التنظيم والعمل المشترك، وبتظافر الجهود، من شأن هذه الانطلاقة الجديدة أن ترتقي بالعمل البلدي نحو معادلة جديدة تثمر تغييراً له أثره في العمل التنموي في لبنان، ويُمهد لعمل سياسي مشترك في الانتخابات النيابية القادمة لا محالة، خاصة بعد فشل السلطة السياسية في تغطية تأجيلاتها المتتالية للانتخابات والمبنية على أسباب واهية.


باسل عبدالله

العدد 16: عدد خاص من مجلة تواصل مدني: افتتاحية وتحية إلى غريغوار حداد

أدينُ بدينِ الحبِّ أنَّى توجَّهتْ        رَكائِبُهُ فالحُبُّ ديني وإيماني

بيتُ شعرٍ لكبير المُتصوفين العرب محيي الدين بن عربي، كان غريغوار حداد يُردِّدُهُ ويستشهد به في كثيرٍ من اللقاءات التي جمعتنا به في تيار المجتمع المدني.

حمل بيت الشعر هذا فحوى رسالة غريغوار حداد المُفكِّر ورجل الدين والناشط المدني.

فمَحبة الآخر هي الغاية الأولى في نظر غريغوار المُفكر، حامل لواء "العَلمانية الشاملة" التي يصفها بأنها نظرة شاملة للعالم (المجتمع والإنسان والفكر) تؤكد استقلالية العالم بكل مقوماته وأبعاده وقيمه وسلوكياته تجاه جميع المذاهب الدينية واللادينية والفلسفات، وبأنها تعيد الاعتبار للقيم المؤنسنة في الإنسان فوق الغرائز والعصبيات، وهي ذات مضمون حيادي بمعناه الإيجابي تجاه الأديان والمعتقدات.

والمحبة في نظر غريغوار المُؤمن، هي صلة الوصل بين الإنسان والله. هكذا آمن حدّاد بالمسيح مُحرر البشرية من الظلم والحقد والكراهية، وهكذا آمن أيضاً بالمطلق الحقيقي الذي لا يمكن أن يستعبد الناس، لأن علاقته بهم هي علاقة حرية مُتبادلة.

والمحبة هي التي دفعت غريغوار إلى دخول ميدان العمل التطوعي "المُجتمعِي" في سبيل تطوير حياة الأفراد وتنمية الإنسان بتكامله وتوازنه مع الطبيعة في الحقول الإنسانيّة كافة وفي المجالات التربوية والثقافية والاقتصادية والبيئية والسياسية.

نحن اليوم نسلكُ دربَ المحبة على خُطى غريغوار حداد المدافع عن "الإنسان - القيمة المطلقة".


وبتحيّة مُتواضعة إليه، نُقدِّم هذا العدد الخاص من "تواصل مدني" المُتضمِّن نبذةً عن حياته وعرضاً لفكره وكتبه ولأهم المبادئ التي حملها وعمل عليها، وللتحركات التي أطلقها وشارك فيها، وللنشاطات التكريمية له.

باسل عبدالله

عدد خاص من مجلة تواصل مدني يتناول موضوع الحراك المدني في لبنان في العام 2015

 

إعداد باسل عبدالله

إفتتاحية

أعادَت أزمة النفايات التي تفاقمت مع مطلع العام 2015،  واستمرَت طواله، تسليط الضوء على ما عاناه ويُعانيه المواطن اللبناني مِن فساد وإهمال ولا مُبالاة، وقعَ ضحيتها في ظل حكم سلطة سياسية قاصرة عن تأمين الحد الأدنى لمعيشته.

فعلى وقع ما وصلت إليه البلاد، تداعت مجموعات شبابية لا طائفية إلى إطلاق حراك ضاغط رفعَ مَطلب مُحاسبة المسؤولين، وعبَّرَ من خلال نبض الشارع المُشتعل عن مُعاناة الناس والغضب الذي يتملكهم من مُمارسات الطبقة السياسية بقطبيها 14 و8 آذار.

سنُحاول من خلال هذا العدد عرض مسيرة الحراك منذ انطلاقته، مُروراً بالمظاهرات والتحركات والاجتماعات التي نُظمت في إطاره، وصولاً إلى النتائج التي تمخّضت عنه.

نُهدِي هذا الإصدار الخاص إلى جميع جَرحَى ومَوقوفِي مُواجهات الحراك مع القوى الأمنية أثناء مظاهرات واعتصامات الحراك وعلى رأسهم الطالب محمد قصير الذي أصيب إصابةً خطرة في اعتصام 23/8/2015، كما نُهديه إلى الناشطِين في تيار المجتمع المدني جاد ياسين وباسل صالح وأحمد العربي الذين أصيبوا أيضاً بالرصاص المطاط وبالهراوات في مُواجهات ذلك اليوم.

بدّك ما تواخذني... إلى غريغوار حداد:


(نُشرت هلى موقع "تغريدة" بتاريخ 4/1/2015) 
الرابط:

– ما فيها شي هالحياة، شوف هالناس كيف عم تعمل ببعضها، حتى ما حدا عارف شو ناطرنا بلبنان… بكرا بترجع تخرب… الشرق الأوسط على كف عفريت.
– شو، جاييني مُحبط اليوم؟
– إنو أيه، ما كل شي بيُحبُط! المهم، إنتَ كيف؟ ما في حاذوقة اليوم؟
– غلبتها اليوم.
– خير.
– في كم كتاب بالخزانة، شيلهم تا شوف.
– هودي؟
– أيه.. هيدا أول واحد شو بدك منه… الأربعة البقوة حطهم بمكتبة التيار.
– حاضر، وكتاب “أين الخطأ؟” لعبدالله العلايلي ليش بعدو حدّك عالكومودينة، ما بدك آخده؟ أنا قاريه PDF، حلو هالكتاب.
– إيه خليلي ياه، بعدني عم أقراه.
– طيب، أنا ما فيني اتأخر اليوم. وصِّينا؟
– بدك تجيب العروس معك المرة الجايي أو بضلني زعلان منك.
– لشو يا مطران… ما فيها شي هالحياة!
– ارجِعنا! خلي إيمانك كبير! (بنوع من العتب)
– بعد يلي عم انشوفه باسم الدين، من وين؟
– ييي علينا، بدك جَدّْ تزعلني منك اليوم، إيمانك الإنساني… هيدا يلي بِوَصِّل كل الناس للإله الواحد.
– بعرف، والله بعرف… بس مساقبي مُحبَط اليوم. كل ما حس بالإحباط بزُورك، كأن إنت ناقصك إزعاج.
– ممم … نعم (مع شدّة على حرف النون)، إنتو بدكن تضلكن تعذبوني تا موت! (يقولها مازحاً مع عبسة)
***
بدك ما تواخذني،
رح إحكيك للمرّة الأخيرة بإحباط يا رفيق، هيدا العالم وأهلو ما بيستاهلوك، بس كان لازم تكون فيه تا تبثّ فينا الإرادة وناخد مِنّك الأمل والطاقة تا نستمر برسالتنا الإنسانية لمحاولة بناء مجتمع أفضل بِطوِّر حياة الناس.
كان لازم تكون بهالعالم، تا كل ما تِتْراخَى عزيمتنا، نتذكّر إرادتك وصبرك عا كل شي، وكمان علينا.
كان لازم تكون بهالعالم، لأن حدا بدو يبلّش الطريق، تا غيرو يكَفيه، وإنت لي بلشت.
بدك ما تواخذنا،
بس لما التفتِتْ عا وِجّك بالمستشفى بساعات الوداع، إنتَ وعم تنسحب شوي شوي وعا مهل من حياتنا، أخدت من هل وِجّ طاقة كبيرة فيها محبة وصبر وتحدي وإيمان… ما رح ينكسروا سنين لقِدّام.
عم إحكي هلق مع حدا صادق وبحبك أكتر مني، وحاسس بفراغ كبير بعد ما إنت فلّيت… بس ما تُعطل هم، سبقتك وجاوبته: “خلي إيمانك كبير… غريغوار ما بيُختصر بجسد… غريغوار جزء من رسالة إنسانيّة مْخبِّيِّ بقلبها أسرار الحياة، بتعطينا أمل بإنو في عدالة رح تتحقق يوماً ما … عدالة رح تتّرْجِم وعينا على حقايق موجودة وأكبر منّا بس بعدها مَستورة لأسباب ما منعرفها”.
باسل عبدالله

افتتاحية "تواصل مدني" العدد 13 عن شهر 8/2015:


 

صوتٌ جديد يرتفع اليوم حاملاً هموم الشباب المعيشية والحقوقية في وطنٍ ضُرِبَت فيه أسس المُواطنية ونُزعت من الناس أبسط حقوقهم في اختيار مُمثليهم في الندوة البرلمانيّة بحجج مختلفة.

صوتٌ جديد لمجموعة من الشباب العلماني واللاطائفي تضع أولوياتٍ تجمعها في العمل من أجل تطوير حياة الإنسان داخل الوطن.
تداعى هؤلاء الشباب إلى لقاءٍ دوري تحت عنوان "لقاء الطلاب العلمانيين" ليُعلنوا في وثيقة مبادئهم المشتركة أنّ النظام الطائفي هو نظام يُعطل المُواطنية الحقيقية وحقوق الإنسان في لبنان، وعلاج هذا النظام يكمن في العَلمانية بما هي نظرة شـاملة للمجتمع والإنسـان والفكر، تدعو إلى بناء هوية الأفراد المدنيّة والإنسانيّة في المجتمع بما يَضمن مُساواتهم أمام قوانين الدولة، وهذه الهوية المدنيّة لا تقصي الهوية الدينيّة بل تحميها من خلال حياد الدولة الذي يعني بشكل واضح عدم تحيُّز السلطة الحاكمة أو ارتهانها لمصلحة أو ضد مصلحة أي مُعتقد خاص تعتنقه مجموعة من الأفراد فيها.

قرّر هؤلاء الشباب المساهمة في نشر مفهوم العلمانية وفوائدها على صعيد المجتمع ورصد الانتهاكات الطائفيّة في لبنان ودعم صياغة كتاب تربية مُوحّد وكتاب تاريخ مُوحّد، والمطالبة بمجانية التعليم، ودعم إقرار قانون انتخابات لا طائفي يعتمد النسبية على أساس الدوائر الكبرى ونظام اللائحة الانتخابية حيث ينتخب المواطن مشروع المرشحين في اللائحة لا المرشح الفرد بذاته، وتأكيد حق وخيار أي مواطن لبناني في الزواج المدني في وطنه وفي الخضوع لنظام أحوال شخصية مدني، ودعم حق الناس في حياةٍ كريمة على الصعيدين الاجتماعي والمعيشي.

في ظل أزمة النفايات واستمرار عجز الطبقة السياسية عن تأمين أبسط حقوق المواطن في لبنان، تنشأ فسحة جديدة خارج الاصطفاف السياسي التقليدي لتحمل هموم الشباب المدنية والمعيشية، على أمل التغيير...

القطط والفئران وأزمة النفايات



ورَدَ خبرٌ عاجل أمس عن وفاة 13021 قطة في الأيام الأربعة الماضية، نتيجة رش البلديات مُستوعبات النفايات المُتراكمة في طرقات بيروت وجبل لبنان بالمبيدات والمواد الكفيلة قتل الحشرات والجراثيم، خوفاً من ظهور الأوبئة وتفشي الأمراض بين الناس.

في المقابل، تبين في اليومين الماضيين تكاثر عدد الفئران والجرذان في مختلف تلك المناطق.

وعزَت مصادر مُطلعة سبب تكاثر الفئران والجرذان إلى تدني عدد القطط في المدينة وضواحيها.

وكشفت المصادر، ردّاً على سؤالنا، أن الفئران والجرذان، وفي تطور نوعي لجيناتها، أصبحت في السنوات الماضية قادرة على تحمل السُموم التي تحتويها تلك المبيدات، "وصارت بلا حيا"

وفيما أعلنت المستشفيات حال الطوارئ في البلاد، تسعى القطط المُتبقية إلى جمع قواها وتنظيم صُفوفها، بهدف إعادة التوازن إلى الطبيعة والبيئة ووضع حد للجرذان والفئران في لبنان.

26/7/2015

افتتاحية "تواصل مدني" العدد 12 عن شهر 4/2015:

 

مُنذ أسابيع، مرَّ عيدُ الحب في لبنان بصمت. تسلل بين التهديدات السياسية والأمنية، المحلية والإقليمية والدوليّة، إلى قلوب العشاق. تسلّل ليُنعِشَ مَشاعرَ كُلِّ حَبِيبَين مُفعَمَين بالأمل ما زالا يُؤمِنان بالحب في وطنٍ سيطرَ عليه مَنطقُ المَصالح، فسقطت تحت وَطأته قيمُ الحب.

بعد مرور أيام على عيد الحب، تحية إلى كلِّ مَن اضطُرَّ مُرغَماً لأسباب ماديّة إلى مُغادرة لبنان على أمل أن يتمكن يوماً ما مِن العودةِ إليه لبناءِ عائلةٍ مِن نِتاج هذا الحب مَع مَن أحبّ، وتحية أيضاً إلى كل مَن هاجر مع حبيبه يائساً في سبيل الحب إلى مكانٍ آخر مِن هذا العالم قد يَحترمُ حُبَّه أكثر مِن نظام دولته.

تحية إلى كلِّ مُتحابَّين مِن ديانتين مُختلِفَتَين، أبيا التنازُلَ عن حُبِّهما لمصلحة مَنظومة طائفية تمنعُهما مِن الزواج في وطنهما، فتكبدا مَشقة السفر إلى الخارج للزواج مدنياً.

تحية إلى كلِّ مُتحابَّين رفضا أن يُصَنَّفا طائفياً، واستعادا بالقوة هويتهما المُواطنية أمام دولتهما، فتزوجا مدنياً على أرض وطنهما بمقتضى القانون، رغم أنفِ منظومة هشة حاولت منعهما من ذلك.

بعد مرور أيام على عيد الحب، التقى مُواطنون ومُواطنات في سلسلة من التحركات كان آخرها مسيرةٌ انطلقت باتجاه وزارة الداخلية والبلديات، ليُعلنوا مِن جديد تمسكهم بهويتهم المُواطنية وسعيهم لبناء دولتهم المدنيّة، وليرفُضوا كل سياسات التطييف والتصنيف التي تُفرَض عليهم كلَّ يوم، وآخرها مُحاولات وضع العوائق أمام تسليم المُواطنين المُتزوجين مدنياً في وطنهم وثائق زيجاتهم.


تحية مِن أسرة "تواصل مدني" لهؤلاء المُتمسِّكين بمواطنيتهم وبحقوق المُواطنين في وجودهم وفي حرية اختيارهم في وطنهم لبنان.

ارفعوا هويات المواطنية في مسيرة الأحد (مقالة نشرت على موقع جريدة النهار) 

رابط المقالة على موقع جريدة النهار

باسل عبدالله- "تيار المجتمع المدني"

28 شباط 2015 الساعة 06:02

كثُرت التحليلات والاستنتاجات في الآونة الأخيرة في موضوع الزيجات المدنية المعقودة في لبنان، فبعضها شجّع وبارك وبعضها الآخر حذّر ورفض.
وبمناسبة المسيرة المُقررة يوم الأحد 1 آذار 2015 دفاعاً عن حق اللبنانيين في استرداد انتمائهم المُواطني وحق المُتزوجين مدنياً في لبنان في تسلّم وثائق زيجاتهم، من المفيد توضيح ما يلي:

1- لكلِّ لبنانيَين جمعَهُما الحب الحق الكامل بأن يعقدا زواجهما في لبنان وذلك مِن منطلق صفتهما كمُواطنَين، وهذا الحقّ بالزواج المدني هو حقّ أساسي لا يخالفه أيّ تشريع، بل هو واجب على كل دولة ينصُّ دستورها على المساواة بين أفراد المجتمع.

2- في ظل انشغال الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان بالظروف الاقليمية والدولية وفي مشاكلها الداخلية، تناست واجبها الأول في ترسيخ انتماء المُواطنية لدى الأفراد في المجتمع، فما كان مِن بعض هؤلاء الأفراد إلا أن بادروا إلى لعب هذا الدور عنها، بِتثبيت انتماء المواطنية مِن خلال خطوة عملية تمثلت بتنظيمهم عقودَ زواجٍ مدنية قانونيّة سارية المفعول استناداً إلى القرار رقم 60 ل.ر. الصادر بتاريخ 13/3/1936، والمتعلق بنظام الطوائف الدينية في لبنان، والذي نص في الفقرة الثانية من المادة العاشرة منه على أن يخضع اللبنانيون الذين لا ينتمون لطائفة ما، للقانون المدني في الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية، وهذا ما انطبق على هؤلاء الأفراد بعد أن أزالوا الإشارة إلى الطائفة من سجلات نفوسهم.

3- ثُبِّتَ هذا الزواج بعد أن أكدت هيئة الاستشارية العليا في وزارة العدل أن القانون اللبناني يعترف بالزواج المدني المعقود في الخارج، وبالتالي فمن باب أولى أن يعترف بالزواج المدني المعقود في لبنان وذلك تطبيقاً لحرية المعتقد المُكرسة في الدستور من جهة، ولعدم تشجيع فكرة الالتفاف على القانون واللجوء إلى خارج لبنان لعقد زواج مدني من جهة ثانية، وأن إقرار مبدأ الزواج المدني في لبنان من شأنه أن يُكرّس قاعدة مَفادها أن القضاء المدني هو القضاء العادي المُختص في النزاعات الناشئة عن الزواج المدني، سواء عُقد في الخارج أو في الداخل، وليس مِن حصرية للمحاكم الدينية لإبرام عقود الزواج في لبنان إلا في المسائل التي تدخل في اختصاصها تحديداً.

4- إنّ عقود الزواج المدنيّ على الأراضي اللبنانيّة عقود قانونيّة سارية المفعول إذن، من تاريخ توقيع هذه العقود لدى الكاتب بالعدل، وليس شرطاً في شرعيّة الأحكام والعقود في هذا المجال وجود قانون بإجراء تشريعيّ عاديّ. وقد أكدت هيئة الاستشارية العليا في وزارة العدل أيضاً، أنّ الكاتب بالعدل هو المختص بتنظيم وتصديق عقد الزواج المدني لأنه زواج لا يمنعه القانون، بل على العكس هو زواج تنص عليه الفقرة الثانية من المادة العاشرة من القرار رقم 60 ل.ر.، ولذلك، وباعتباره من العقود التي لا يمنعها القانون، فهو مِن ضمن الأسناد الواردة في المادة 22 من نظام كتابة العدل. وقد استنتجت بالتالي أن الكاتب العدل، في ظل التشريعات الحالية هو المرجع الوحيد المختص لعقد الزواج المدني والتصديق عليه.

5- إنّ وزارة الداخليّة تمتنع اليوم عن تسليم الأزواج المدنيّين وثائق زواجهم ووثائق ولادة أبنائهم مُخالفةً بذلك الدستور الذي يحكم عملها في هذا المجال. فالزيجات المدنية المعقودة في لبنان لا تنتظر توقيعاً أو تصديقاً من قبل وزير الداخلية والبلديات، كما قد يظن البعض، بل هي محتجزة لديه، خارج مسارها الطبيعي ألا وهو قيام موظفي دوائر النفوس في وزارة الداخلية بنقل البيانات وتحرير الوثائق (إخراجات القيد العائلية) وتسليمها إلى المتزوجين أصحاب العلاقة عند الطلب.

6- إنّ إنكار حقّ اللبنانيّين بالزواج المدنيّ على الأراضي اللبنانيّة وإعاقة حريّة اختيارهم له وعملهم به يُشكلان خرقاً للدستور في مادتيه السابعة والتاسعة والبندين ب و ط، واللتين نصّتا على المساواة التامّة بين اللبنانيّين، وعلى حريّة الاعتقاد المطلقة لهم، وعلى التزام دولتهم بشرعة حقوق الإنسان وتجسيدها في شتّى المجالات دون استثناء، وعلى حقّ اللبنانيّ بالإقامة على أيّ جزء من الأرض اللبنانيّة والتمتّع بما في تلك الإقامة من المزايا في ظلّ سيادة القانون.

7- إنّ كلَّ راضٍ بما يجري أو ساكتٍ عن هذا الخرق الدستوري بحجةِ واقع بلدنا الطائفي واستحالة التغيير فيه، هو مُتنازلٌ حكماً، مهما كان موقعه، عن حقوق المُواطنين المدنية وقابلٌ بمنهج التمييز الطائفي المُتفاقم الذي يطال الناس.

رفضاً لهذا المنهج في إدارة البلاد من قبل الطبقة السياسية، قرر مُواطنون ومُواطنات الانطلاق في مسيرةٍ مدنية يوم الأحد 1 آذار 2015، الساعة 12 ظهراً، مِن شارع "بليس" في الحمرا باتجاه وزارة الداخلية والبلديات، ليُعلنوا مِن جديد تمسكهم بهوية المُواطنية وسعيهم لبناء دولتهم المدنيّة، وليرفضوا كل سياسات التطييف والتصنيف التي تُفرض عليهم كلَّ يوم في وطنهم، وآخرها مُحاولات وضع العوائق أمام تسليم المُواطنين المُتزوجين مدنياً في لبنان وثائق زيجاتهم. هذا التحرك الضاغط يترافق مع خطوات مُتوازية أخرى على رأسها تقديم مُراجعة أمام القضاء المختص لإستعادة حقوق المتزوجين مدنياً في لبنان مِمَّن سعى إلى تقييدها.

في عيد الحب، تحية واعتراض...



في عيد الحب، تحية إلى كُلِّ حَبِيبَين مُفعَمَين بالأمل ما زالا يُؤمِنان بالحب في عالمٍ احتلتهُ المَطامع وقيّدهُ الجشع وسيطرَ عليه مَنطقُ المَصالح، فسقطت تحت وَطأته قيمُ الحب.

في عيد الحب، تحية إلى كلِّ مَن وَقعَ في الحب فاضطُر مُرغَماً إلى مُغادرة وطنه لبنان على أمل أن يتمكن يوماً ما مِن العودة إليه لبناءِ عائلةٍ مِن نِتاج هذا الحب مَع مَن أحبّ، وتحية أيضاً إلى كل مَن هاجر مع حبيبه يائساً في سبيل الحب إلى أي مكان في هذا العالم قد يَحترم حُبَّه أكثر مِن نظام دولته ووطنه، ... واعتراضٌ بالمقابل على كلِّ حائزٍ مَوقعَ مَسؤولية، لم يَسعَ لتأمين الحياة الكريمة والمناخ اللازم المُشجِّع لهذا المُواطن اللبناني لبَقائه في وطنه.

في عيد الحب، تحية إلى كلِّ مُتحابَّين مِن ديانتين مُختلِفَتَين، أبيا التنازُلَ عن حُبِّهما لمصلحة منظومة طائفية تمنعُهما مِن الزواج في لبنان، فتكبدا مَشقة السفر إلى الخارج للزواج مدنياً، ... واعتراضٌ على ساسةٍ أرادوا الناس غارقينَ في اصطفافٍ طائفي يُكبِّلهُم ويضعُ بينهُم حُدوداً في التواصل وفي الحب!

في عيد الحب، تحية إلى كلِّ مُتحابَّين رفضا تصنيفهما خارج هويَّتِهما المُواطنية في لبنان، فاستعادوا بالقوة تصنيفهما المُواطني أمام دولتهم وتزوجُوا مدنياً فيه، رغم أنفِ مَن أرادهم طائفيين، ... واعتراضٌ كلِّ قَيِّمٍ على السلطة، نادى كلَّ يوم بالمُواطنية، ولم يَسعَ حتى اليوم إلى سُبلٍ جَدِّيّة لتحقيقِ ما نادى به، واعتراضٌ أكبر على مَن وضعَ العثرات أما الخطوات التي تُعيد إلى المُواطن اللبناني انتماءه المُواطني.

في عيد الحب، تحية كبيرة جداً إلى الفقراء وذوي الدخل المحدود الذين قرروا البقاء في وطنهم وتأسيس عائلاتهم فيه باسم حُبِّ الحبيبِ وحُبِّ الوطن، رغمَ الواقع الأمني الشاذ والوضع المَعيشي المُتدهور ورغم تعثر نظام الحماية الاجتماعيّة وغلاء أسعار الشقق وتدنِّي فُرص العمل، ورغم أن مُستقبلهم ومُستقبل أولادهم في هذا الوطن كان وما يزال على كف عفريت، ... واعتراضٌ على كلِّ مَن سبّب ويُسبّبُ، وساهم ويُساهمُ، وغَضَّ النظر وما زال يَغُضّه عن هموم الناس وحقوقهم المَدَنيّة وحاجاتهم المعيشية.

في عيد الحب، المُواطن اللبناني بِحاجة إلى مزيدٍ مِن الحب مِن تلك الطبقة السياسية القيمة على شؤونه... هو بحاجة لأن تُحِبَّ هذه الطبقة انتماءَهُ المُواطني قبل أي انتماء آخر، فتَحكمَ بالحق لصالح هذا الانتماء ولمصلحة أي خطوة جديّة باتجاه تكريسه، هو بحاجة لأن تنتشل هذه الطبقة هوية المواطنة مما تكبدتها طوال سنين الحرب والسلم الماضية والحاضرة مِن تهميش وإزلال.

14-2-2015

من حقنا أن نشطب الاشارة الى طوائفنا (مقالة نشرت على موقع جريدة النهار)


باسل عبدالله-محامٍ وناشط مدني

3 شباط 2015 الساعة 15:57
مُنذ ولادته، يُصَنَّفُّ اللبناني في سجلات نفوسه بحسب انتمائه الطائفي.
هو تصنيفٌ رضخ له غير مُدركٍ أنّه يُؤدي به مع الوقت إلى خلل في ترتيب أولوياته بين الإنتماء السياسي الطائفي والإنتماء المُواطني لدولته، ويُجنّده في تبعيّة طائفية لسياسيين أقحَمُوه في ما مضى في حروب طائفية كان هو ضحيتها الأولى.

لأن القائمين بأعمال الدولة لم يُسَهِّلوا تجاوز الطائفية بخطوات عملية جديّة - رغم أن هذا واجب عليهم - بل استمروا في اللعب بقنبلة الطائفية الموقوتة التي تُهدِّدُ بالإنفجار عند أقل توتر محلي أو إقليمي يعيشه بلدنا، ولأنّ تصحيح علاقة الفرد بدولته والحاجة إلى تخطي لعبة الاستثمار السياسي الطائفي التي تُمارَس عليه يومياً في شتى مَجالات الحياة، هو أمرٌ مُلحّ، اتخذ مُواطنون لبنانيون خطوةً مُتقدمة على طريق إعادة علاقتهم بدولتهم إلى أساسها المدني، فبادروا إلى استعادة حقهم في عدم التصريح عن الطائفة وإزالة الإشارة إليها من سجلات النفوس، مُستندين إلى أن حق التصريح عن المعتقد الديني هو خيارٌ شخصي يعودُ لمُطلق حرية الفرد وهو مُستمد مِن مبدأ حرية التفكير والدين المُكرس في الدستور وفي الاعلان العالمي لحقوق الانسان، مُعتبرين هذه الحُرية تشمل حرية التصريح أو عدم التصريح الإداري أو غير الإداري بالاعتقاد أو الانتساب الديني، وأنّ شرط التصريح الإداري ليس شرطاً شرعياً في الانتساب الديني أو في عدمه، فالدولة اللبنانية ليست دولة دينية، ومن حق المُواطنين ألا يطلبوا إثبات هذه الإشارة إذا ما وجدوا ضرورةً لإثباتها، فالأصل فيها أن تكون بناء على طلب الفرد الصريح، الذي له حرية قيد نفسِه إدارياً في طائفة أو عدم قيدها، لا حلول الإدارة محله.

إنّ هذا الحق المدني بعدم التصريح عن الطائفة لا يمكن أن يُفسَّر على أنه خروج مِن الطائفة أو انتقال من طائفة إلى أخرى، أو تشكيل لطائفة جديدة.
وتكريساً لهذه الخطوة، أصدر وزير الداخلية السابق زياد بارود في العام 2009 تعميماً إلى مأموري النفوس، يُوضِّح فيه مسألة عدم التصريح بالمذهب، ويُؤكّد وجوب قبول أي طلب مِن هذا النوع.
بعد مُباشرة إجراء إزالة الإشارة إلى الطائفة من سجلات النفوس، أُطلقت خطوة جديدة تمثلَت بعقد أول زواج مدني في لبنان مع نهاية العام 2012 بين مُواطنَين بادرا سابقاً إلى إزالة الإشارة إلى الطائفة مِن سجلات نفوسهم. وقد عُقد الزواج بموجب وثيقة نُظمَت أمام الكاتب بالعدل، وسُجلت لاحقاً لدى دوائر النفوس.

وقد استعان وزير العدل السابق شكيب قرطباوي يومها بالهيئة الاستشارية العليا في وزارة العدل لأخذ رأيها في هذا الزواج، فأجابته بتأكيد الحق الكامل لمواطنَين لبنانيَين جَمعُهما الحب بأن يعقدا زواجهما المدني في لبنان، وجاء في جوابها:
"...
ز- إن القانون اللبناني يعترف بالزواج المدني المعقود في الخارج، وبالتالي فمن باب أولى أن يعترف بالزواج المدني المعقود في لبنان وذلك تطبيقاً لحرية المعتقد المُكرسة في الدستور من جهة، ولعدم تشجيع فكرة المُداورة على القانون واللجوء إلى خارج لبنان لعقد زواج مدني من جهة ثانية.
ح- إن إقرار مبدأ الزواج المدني في لبنان من شأنه أن يُكرّس قاعدة مَفادها أن القضاء المدني هو القضاء العادى المختص في النزاعات الناشئة عن الزواج المدني، سواء عُقد في الخارج أو في الداخل، وليس من حصرية للمحاكم الدينية لإبرام عقود الزواج في لبنان إلا في المسائل التي تدخل في اختصاصها تحديداً.
من كل ما تقدم يمكن التأكيد على تكريس حق اللبنانيين الذين لا ينتمون إلى طائفة ما لإبرام عقد زواج مدني في لبنان ...".
وأضافت في جوابها:
"...
الكاتب العدل مختص بتنظيم وتصديق عقد الزواج المدني للأسباب التالية:
1-
أنه زواج لا يمنعه القانون، بل على العكس أنه زواج تنص عليه الفقرة الثانية من المادة العاشرة من القرار رقم 60 ل.ر.، كما أوردنا في مكان سابق.
2-
أنه من العقود التي لا يمنعها القانون كما تبيّن وبالتالي هو من ضمن الأسناد الواردة في المادة 22 من نظام كتابة العدل.
نستنتج مما تقدم أن الكاتب العدل، في ظل التشريعات الحالية هو المرجع الوحيد المختص لعقد الزواج المدني والتصديق عليه...".
وقد استند عقد الزواج المدني إلى القرار رقم 60 ل.ر. الصادر بتاريخ 13/3/1936، والمتعلق بنظام الطوائف الدينية في لبنان والذي نص في الفقرة الثانية من المادة العاشرة منه على ما يأتي:
"
يخضع اللبنانيون المنتمون إلى طائفة تابعة للحق العادي، وكذلك اللبنانيون الذين لا ينتمون لطائفة ما، يخضعون للقانون المدني في الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية".
وبذلك تكون هذه المادة قد لحظت وجود قانون مدني للأحوال الشخصية للمواطنين الذين ينتمون إلى القانون العادي (أي القانون المدني)، وهذا ما ينطبق على المُتزوجين مدنياً في لبنان.

إنّ اللبناني الذي تقدّم بطلب إزالة الإشارة إلى الطائفة في سجلاّت النفوس، قد أصبح بمجرّد شطب قيده المذهبي مُواطناً لبنانياً غيرَ مُصنّفٍ أو مُطيّفٍ في علاقته بدولته، وبالتالي بات يتواصل مع دولته وسلطاتها مِن منطلق صفته المُواطنية، لا من منطلق أي تصنيف طائفي، وهذا بالطبع لا يتعارض أبداً مع حرية إيمانه الديني بل يحمي وجوده المدني والديني على السواء، ويبني هويته المُواطنية ويُساهم في بناء دولة المواطنة التي عجزَ رجالُ السلطة عن بِنائها، ومنهم مَن لا يزال يضع العثرات أمام بِنائها حتى يومنا هذا.

افتتاحية "تواصل مدني" العدد 11 عن شهر 12/2014



دخلَ التمديد لمجلس النواب حيز التنفيذ، ومعه دخلت البلاد مُجدداً مرحلة تجاوز الدستور ونظام المؤسسات وحق الناس في اختيار مُمثليهم.

وأثبتت الطبقة السياسية الحاكمة مُجدداً فشلها في الحفاظ على ما تبقّى من مظاهر الديمقراطية في هذا النظام، فاتحةً المجال لديكتاتوريّة مُتعددة الرؤوس بالظهور، حيث حجر الأساس زعامات طائفية سلبت قرار الشعب باسم الواقع الأمني ومصلحة الوطن!

وفي ظل ما يجري، تسيطر مشاعر الإحباط على المواطن اللبناني الفقير وذو الدخل المحدود مِن كل ما يجري حوله، ويستمر في الغرق في مشاكله وهمومه الصحيّة والمعيشيّة والنفسيّة حتى أُذنيه. فالمستقبل ضبابي والآمال مفقودة.

أمام هذا الواقع يعتصمُ شبابٌ بِحَبلِ الحق لرفض كل ما يجري، فينزلون إلى الطرقات رافعين الأصوات، رافضين اغتصاب السلطة، مُحاولين تغيير الواقع المُؤلم الذي يعيشه اللبنانيون، مُتجاوزين حالة الإحباط العامة التي ألمّت بالناس. فيُقمع هؤلاء ويُواجَهون بِشراسة من قبل الأجهزة الأمنية بغية حماية مَن قرروا التمديد لأنفسهم بدون إذن أو دستور أو حق.

لا يسع نشرة "تواصل مدني" سوى توجيه التحيّة إلى هؤلاء الشباب وإلى كل من حاول ويُحاول، رغم الظروف المفروضة عليه في وطنه، مُتابعة العمل من أجل بناء الدولة المدنية في لبنان ونشر الفكر الانساني وحماية حقوق الناس وحرية تعبيرهم الديمقراطي.

الشيطان والثورة



لطالما حاولت البحث عن مغزى وجود شخصية الشيطان في قصة الخلق والعوامل التي أدت إلى ارتداده عن طاعة الله وإغوائه الانسان في شخص آدم. ولطالما أثارتني فكرة هذه الشخصية السلبية التي تحُضُّ على الشر وترفض الاستسلام لعبادة الخالق والانصياع لأوامره.

وما توصلتُ إليه مع الأيام، هو الربط، المختلف عن التصور العام السائد، بين سلوك الشيطان وسلوكيات بعض الأفراد الثائرين على تقاليد مجتمعاتهم والرافضين تقديم الطاعة المطلقة لعادات المجتمعات التي يعيشون فيها، تلك المجتمعات التي كثيراً ما ارتبطت بممارسات دينية أو قبائلية لا يجوز تجاوزها تحت طائلة التكفير أو التخوين.

هذا الربط لم يأتي من منطلق سلبي إذن، بل جاء الربط من منطلق وجه الشبه الذي يربط بين هؤلاء الأفراد الذين يمارسون حرية وجودهم وبحثهم عن الارتقاء في مجتمعاتهم والشيطان!

فهل إذا كان هؤلاء "الثوار على التقاليد" أحرارٌ يُحاولون بناء صورة أفضل لوجودهم في هذا العالم ولمجتمعاتهم فهم كالشيطان؟ وهل أنّ شيطان ثائر؟ ومن أوجده في ثوبٍ ثوري رافض لطاعة الله؟

وهل يمكننا في مكان ما الربط بين فكرة الشيطان المرتد على الله، وفكرة وجود أفراد "شياطين صغيرة" مُرتدون على الممارسات الدينية الخاطئة في مجتمعاتهم؟

وبالتالي هل تُشكل فكرة الشيطان صمام الأمان الذي يُبقي مَن نشأ داخل مجتمع خاضع لتقاليد قبلية أو دينية معينة رهينة هذه التعاليم التي ربى عليها، وبالتالي هل يشكل له هذا الشيطان "الفزّاعة" التي  تقمع مُيوله الثورية؟

في ظل الواقع الراهن، واختلاط الأوراق حول معنى القيم والمبادئ والأخلاق والدين والتدين، وحول أساليب نشر الدين والمعتقد في أذهان الناس، لا بد من إعادة قراءة المشهد والبحث عن الشياطين والملائكة، لكن من خلال منهج فكري ثوري بعيد عن أي خضوع أو طوعية!

باسل عبدالله

14/9/2014


هاوي الخسائر


نشرت في صحيفة المدن الالكترونية على الرابط التالي: رابط "هاوي الخسائر" على موقع المدن


كان منذ صغره، مُتابعاً دائماً لمباريات كرة القدم وأخبار لاعبيها ومُنتخباتها من أصغرها إلى أكبرها، إلى حدٍّ أصبحَ معه ضليعاً بأدق تفاصيل اللعبة ولاعبيها.

لكن ما كان يشغلُ بال أصدقائه ويُثيرُهم هو أنه في خضم المُواجهات الكروية بين إحدى الفرق العريقة كإيطاليا أو ألمانيا أو البرازيل وإحدى فرق الصف الثالث عالمياً وما دون، يتخلّى- بعكس أصدقائه- عن تشجيع الفريق القوي، كي يُؤازر خصمه الضعيف، رغم علمه مُسبقاً أنّ آمال هذا الفريق الأخير بالفوز صعبة أو حتى مُنعدمة، وبأنّ المباراة مَحسومة النتيجة سلفاً لمصلحة فريق المُقدِّمة. 

وما زاد الطين بلة، أنّ أصدقاءه كانوا يُلاحظون ازدياد تعصُّبه للفريق الضعيف كُلما تلقّى مرمى هذا الأخير هدفاً جديداً، بغض النظر عن حسن أو سوء أداء هذا الفريق على أرض الملعب.

وبالطبع، كان نتيجة خياراته هذه، يُواجَهُ بشتى أنواع التعليقات المُنتقدة والساخرة والمُستهزئة، وأحياناً المُشفِقة، أكان من القريب أم الغريب مِن زملاء التشجيع، حتى أن كثيرين من أصدقائه نعتَوه مزاحاً بـِ"هاوي الخسائر"، نسبةً إلى الفِرق الضعيفة التي تَورَّط في تشجيعها.

حاولَ كثيرون مِن المُقرَّبين، بـ"المَونة" مِراراً وتِكراراً، تنبيهه إلى جسامة الخطأ الذي ارتكبه بِتَمَرُّدِه عن تشجيع فِرَق مُقدِّمة هذه اللعبة. وعندما سأله يوماً أحدهم عن سبب خياراته الخاسرة، أجابه بأنه ببساطة يتعاطف مع فرق دول العالم الثالث والدول الفقيرة والتي أغلبُ لاعبيها من الهواة، ويفرح بتشجيعها.

حاولَ مِراراً، تحت ضغط الإنتقاد، الإنتقال إلى مُتابعة ألعاب رياضية أخرى، غير أنّ النتيجة استمرّت نفسها في الألعاب الفردية والجماعية على السواء، والخسارة كانت تُلاحقه باستمرار بعد تأييده لاعبينَ أو فرقاً ضعيفة وتشجيعها، على إختلاف هذه الألعاب الرياضية.

مع ازدياد وعيه، وتَجاوُزه سن العشرين، وانهماكه، مثله مثل باقي أبناء جيله، بِمُختلف المَشاغل الاجتماعية والحياتية، تقلّص اهتمامه بالرياضة، وإذ به ينتقل إلى ممارسة هواية الخسارة المُفضلة لديه، على صعيدٍ أوسع مَيدانُه المُجتمع بهموم ناسه المُختلفة. فكان يلتحقُ بصفوف المُظاهرات المَطلبية والمَعيشية أو المدافعة عن حقوق الفقراء، مُناصراً ومُؤازراً حتى الرمق الأخير (مع الملاحظة أن عدد مُنتقديه ازداد أكثر فأكثر).

ظلّ توجّهُهُ إلى مُواكبة القضايا الإنسانية المُحِقّة في مُجتمعه ينمو ويزداد في وطنٍ فقدَ فيه الأفراد بُوصلة انتمائهم المُواطني لمصلحة انتماءات طائفية وقبائلية مُتشعبة، رغم إدراكه المُسبق أن أناساً كُثراً سينتقدُون، وأحياناً يُشفِقُون، وينعتونه من جديد- ولكن هذه المرة لأسباب لا دخل لها بالرياضة- بأنّه "هاوي الخسائر"! 

                                                                                              باسل عبدالله


افتتاحية "تواصل مدني" العدد 10 عن شهر 9/2014

 

تعطيل المؤسسات مُستمر... الفراغ في رئاسة الجمهورية أيضاً مُستمر... ومجلس نواب مَدَّد لنفسه وهو وعلى قاب قوسين مِن التمديد لنفسه من جديد...

أزمة المُواطن المعيشيّة إلى تفاقم...

التقديمات الصحية للمواطن الفقير وذو الدخل المحدود مُتدنّية، بل شبه مُنعدمة...

الكهرباء والماء والموارد الأساسية لحياة الإنسان في تراجع مُستمر...

أسعار الشقق وبدلات الإيجار في ارتفاع مُستمر...

فرص العمل قليلة، وشغل الشباب اللبناني الشاغل الهجرة للعيش في الخارج ...

أما المسؤولون عن حياة الناس فينتظرون توافقاً إقليمياً دولياً ليبنوا عليه توافقاتهم الداخلية.

في ظل هذا الواقع، لا بديل من رفع الصوت والتحرك ميدانياً من أجل الضغط على أصحاب القرار لتغليب هموم المواطن الحياتية على خلافات السياسيين الخاصة.

تُجدِّد نشرة "تواصل مدني" اليوم، من خلال هذ الإصدار، رسالتها في نشر الفكر الانساني والإضاءة على حقوق المواطن - الإنسان - الأساسية المهضومة في لبنان، وعلى نشاطات القوى الفاعلة في هذا الإطار، على أمل التغيير...



قرب الضريح


انحنَى عند الضريح،

مُرَدِداً صلاته المُعتادة كما في كل يوم

مُناجياً ربه بالكلمات نفسها: " أَعِدهُ إليّ يا إلهي

... فلتُخرجه من هذا القبر اللعين وتُعِيدهُ حياً".

***

منذ وفاته، اعتاد أن يمر بقبره كل يوم ليُكرر طلبه هذا

لكن لا شيئ تغير

***

رمَى في الزيارة الأخيرة وردة حمراء عند الضريح

... وانصرف

تخلّى عن إيمانه بعودةِ الميت إلى الحياة... وانصرف

ترك حبّه وإيمانه هناك

... ودّعَ الضريح

... ودّعَ إلهه

وغادرَ إلى غير رجعة !


***


افتتاحية "تواصل مدني" العدد 9 عن شهر 5/2014

 


لأنّ السياسة في لبنان، بهمة القيِّمين عليها، مَحكُومة بالمَصالح والتجاذبات الطائفيّة، ولا ينتج منها سوى تصنيف الأفراد بحسب انتمائهم الطائفي، لا بحسب صفتهم المواطنية،

ولأنّ التصريح عن المعتقد الديني هو خيار شخصي يعود لمُطلق حرية الفرد وإرادته في المجتمع، فلا يجوز أن يُفرَض عليه، كما لا يجوز على الإدارة الرسميّة في الدولة أن تُصنف أو تُقيِّد أي فرد في سجلات النفوس بأي خانة طائفية، بدون استشارته أو اختياره،

ولأنّ التصنيف الطائفي السياسي المفروض على الناس يُؤدي بهم، في ما يُؤديه، إلى خلل في ترتيب أولوياتهم بين الإنتماء السياسي الطائفي والإنتماء المُواطني،

ولأنّ تصحيح علاقة الفرد بدولته أمرٌ مُلح، لما يشهده الوطن من نزاعات ومُواجهات طائفيّة تهدد أمن أبنائه، فترةً بعد فترة،  

ولأنّ المواطن اللبناني بحاجة إلى تخطي لعبة الاستثمار السياسي الطائفي التي تُمارس عليه يومياً في شتى مَجالات الحياة،

ولأنّ المُبادرة التي أسس لها ناشطون في المجتمع المدني من أجل الحق في عدم التصريح عن الطائفة وإزالة الإشارة إلى الطائفة من سجلات النفوس تُشكّل خطوة أولى أساسيّة باتجاه استعادة الفرد حريته في التواصل مع دولته بصفته مُواطناً،

تُبادر أسرة "تواصل مدني" اليوم، في عددها الخاص هذا، إلى إطلاع القارئ على موضوع "إزالة الإشارة إلى الطائفة في سجلات النفوس"، وعرض المعلومات الأساسيّة بشأنه والإجراءات العمليّة التي يمكن للمرء اتباعها لإزالة الإشارة إلى القيد المذهبي من قيود سجلات نفوسه.

تأمل أسرة "تواصل مدني" أن تُساهم في الإضاءة على هذه  الخطوة لِما تُقدِّمه على طريق بناء مفهوم المواطنة وتدعيمه في لبنان، وأن تُمَكِّن القارئ من تشكيل فكرة مُفيدة ومُفصّلة في هذا المجال.


قراءة في تفوّق الإنسان على الآلهة



هل على الإنسان المؤمن أن يَحُدَّ نفسه في علاقته بإلهه بحدود واعتبارات والتزامات يحكمها طابع الخضوع لهذا الخالق؟ أم على العكس، عليه أن يسعى دوماً وبدون موانع إلى تطوره الشخصي كإنسان، ولو كلف الأمر في مرحلة حاسمة دخوله مُواجهةً ضاريةً مع المعتقد الذي قدّم له فكرة الله، وحتى مع هذا الإله بذاته؟

هو سؤالٌ لطالما طرحته على نفسي، وأحياناً على من حولي مِمن وثقتُ باسقلاليتهم الفكرية وتفتُح وعيهم وقدرتهم على التحليل، ولطالما تنوعت أجوبة هؤلاء وتشعبت بحجم الأفكار والخبرات وطرق التحليل ومدى الحرية الفكرية التي تمتعوا بها.

أما عن أسباب إثارتي هذا الموضوع اليوم، فهي لا تقف فقط عند أهمية هذا السؤال كموضوع لا مهرب من طرحه في يوم من الأيام على أنفسنا، بل تتعدى ذلك إلى ما نشهده في حياتنا ومجتمعاتنا وواقعنا السياسي المحلي والإقليمي هذه الأيام من استعمال مُقزز للمعتقدات الدينية دون حدود في مواقع أنتجت وتنتج حجماً مُخيفاً ومُرعباً من القتل والدمار والعنف وتقهقر العقل لصالح غير مشيئته، وذلك باسم الدين أو القائد الذي يدعي تمثيله له، وباسم الإيمان أو بهدف تنفيذ ما يعتقدهُ كثيرٌ من الناس "أوامر الخالق".

ولا شك أنّ كثيراً من المُفكرين عبر التاريخ تعرضوا بشكل أكبر لهذا الموضوع الشائك وتحديداً في لحظات الصدمة من حوادث عاشوها ولم يتمكنوا من استيعاب نتائجها، فكانت ردة فعلهم أمام هول الزلازل والكوارث الطبيعية مثلاً ونسبة الضحايا التي حصدتها أو أمام همجيّة الحروب وما أدت إليه من ضحايا، ما جعل هؤلاء يُعيدون النظر في كل ما يدور حولهم وفي كل المعتقدات التي أرستها لهم مجتمعاتهم.

والأسوأ أننا في مُجتمعنا نَسيرُ بِخـُـطىً مُتسارعة إلى الوراء، فبعد أن كان جيلنا أيام الدراسة يتفاجأ مثلاً بالمجازر التي اقترفها جمال باشا السفاح في عهد السلطنة العثمانية في لبنان، أصبح فعله في أيامنا هذه، أمام واقع ما نشهده، لا يدعو للإستغراب بل يمر مرور الكرام أمام هول المذابح وأعمال القتل التي نشهدها كل يوم في بلادنا العربية، وكأنّ عقلنا أصبح مُبرمجاً لقبول كل ما يجري، وما عاد يتوقف عند "سفاح" مرّ في التاريخ، لأننا نرى آلاف السفاحين أمامنا كل يوم يقتلون بدم باردة وأحياناً كثيرة باسم الإله.

فهل للتَمَذهُب الديني دورٌ في كل ما يجري اليوم؟ بل هل أنّ الدين بحد ذاته يُولد بطبيعة تركيبته هذا التعصب أم أنّ شكل التلقين الديني هو السبب في إعادة إنتاج الإنسان المُبَرمَج لأداء مُهمة مُحددة، ليس له تخطيها تحت طائلة خرق الإلتزامات التي تفرضها عليه السماء؟

لست بوارد الإجابة عن السؤال الأخير الآن، لكنني سأكتفي بالإجابة عن السؤال عُنوان هذه المقالة، هل على الإنسان المُؤمن أن يَحُدَّ نفسه في علاقته بإلهه بحدود يحكمها طابع الخضوع لهذا الخالق؟ أم على العكس؟

برأيي وبإيماني ووعيي أدّعي أنه لا يمكن أن يكون الله قد وَهَبَ الإنسان العقل ليكون هذا الأخير عبداً، فالعبوديّة نقيض وعينا العقلي، ولا يمكن أن يكون وهَبَهُ المنطق ليكون آلـة مُبرمجة، أو وَهَبُهُ القدرة على التحليل ليكون يرتهن نفسه للتبعية العمياء.

لا يمكن للإنسان الحقيقي الذي أراده الله أن يكون دُمية بيد أي إنسان آخر، ولا حتى دُمية بيد الله، وبالتالي لا يريدهُ أن يكون خاضعاً أو عبداً لأحد، حتى له (أي لله)، بل بعكس ذلك، فالله الذي خلق العقل للإنسان، قد أرشدهُ إلى حرية المعرفة وأعطاه سلاح التطور، وهذا السلاح بطبيعة تكوينه مبني على ذخيرة البحث الدائم والمُستمر في كل ما يدور من حول الإنسان من أمور، وقد يُؤدي هذا البحث إلى تدمير شامل للثقافة التي نشأ عليها الإنسان منذ صغره، مهما كانت خلفية أو نوع هذه الثقافة.

وبالتالي من غير الطبيعي أن يضع الخالق مَوانعَ على استعمال الإنسان للعقل الذي أمدّه به.

فكي تنتصر إرادة الله والغاية من منحه العقول لأصحابها، من الطبيعي بل لابد أن تُترجَم قمة الإيمان عند أي إنسان في مدى استعماله عقله والارتقاء بوعيه الفكري وإنضاج معرفته وطاقته، فالتدرج على سُلّم التطور الإنساني يتطلب في بديهيات الأمور الثورة على كل ما قد يقف بوجه الإنسان من عوائق، مُنطلقاً خارج أي أحكام مُسبقة أو تأثُيرات اجتماعية وعقائدية أو انحياز فكري.

في إحدى أساطير الحضارة البابليّة القديمة تظهر قصة الإلهة "أنانا" وهي تُخاطب "جلجامش" بطل مدينة أوروك وملكها (وهذا الأخير ثلثه إله وثلثاه إنسان بحسب الأسطورة)، وتعرض الإلهة "أنانا" عليه حُبّها، غير أنّ "جلجامش" يرفضه، فتطلب "أنانا" من والدها "آن" (رب السماء حسب الاسطورة) أن يُعيرها "ثورَ السماء" لتهبط به إلى الأرض وتقتل به "جلجامش"، لكن هذا الأخير يُواجه "ثور السماء" ويتمكن من قطع رأسه.

هذه الأسطورة تنتهي بتفوق الإنسان المُتطور (الإنسان المُرتقي - الإله) على مبعوث الإلهة "أنانا" (التي تمثل بنظرنا السلطة المُتكلمة باسم الإله).

فلنرتقي بانساننا نحو الأعلى، لأنّ لا أمل أن تكتمل صورة الإيمان الإنساني بشكلها الأبهى إلا عن طريق تحرير الإنسان من أي ارتهان بشري أو أو ديني أو إلهي.

فكي نفهم الخالق، لا بد أن نسعى للتفوق على نفسنا وعلى مُسلّماتنا، وبالتالي الثورة على خضوعنا لمن يدعي تمثيل الخالق، ثم عليه نفسه، للوصول إلى معرفته.

باسل عبدالله
2/2/2014





الحياة



الحياة علمتني ألا أصاحب الحمقى، لأنني يوماً ما وفي ظرف غير مُتوقع قد أدفع ثمن صحبتي لهم، بطريقة بشعة وبأغلى الأثمان!

الحياة علمتني ألا أرفع راية فئوية أو عنصرية، لأنني قد أعامَل يوماً على نفس أسس ومبادئ الراية التي رفعت!

الحياة علمتني ألا أتحزّب لجماعة، لأنها قد تسير بي يوماً ما، بكل بساطة ومن دون أن أدري، إلى نقيض الأسباب التي دفعتني أن أتحزب لها.

الحياة علمتني ألا أساير أصحاب الايديولوجيات والمذاهب الفكرية والدينية المتطرفة، لأنّ هؤلاء يوماً ما، وبدون أدنى شعور بالإنسانية، قد يُضحوا بي وبأي إنسان آخر أكان يُشبهني أو لا، من أجل ما يسمونه "العقيدة" ... أي من أجل لا شيء!

الحياة علمتني ألا أعبد المجهول، لأنني يوماً ما، وبدون أدنى شفقة، قد أصبح ضحيته الجديدة وليس الأخيرة! 

باسل عبدالله 

1/2/2014



جنازة الاحياء

منذ أشهر، وبعد طول عناء، وفّـقـني الله وحظيتُ بوظيفة مُحترمة في مكتبٍ لدفن الموتى.

وبالرغم مِن أنّ عملي الجديد، بسبب تنوع المهام التي كُلفتُ بها، تطلب مجهوداً لا بأس به، غير أنّ راتبي كان مُرضياً إلى حد ما وكفيلاً بتعويضَ تعبي.

شملَت وظيفتي عدة مهام حسب الطلب، منها قيادة سيارة الموتى وتنظيم صالون التعازي والمُساعدة في حمل التابوت أثناء الجنازة أو السير بإكليل خلف التشييع ... وُصولاً إلى حفر القبر ودفن الميت.

أهم شيء، أنني ما عدت أشعرُ بذلك الاضطراب الذي لاحقني مع أول أيام الوظيفة، فأنا اليوم مُعتادٌ التعامل مع جثثِ زبائننا بدون أدنى رهبة أو خوف.

بالمقابل، لاحظت على نفسي بعد توظيفي أنني أصبحت أميل للعزلة والهدوء والابتعاد عن الناس، وزادت ساعات الشرود والتأمل في حياتي والإهتمام بأمور ما كانت يوماً تعني لي شيئاً ... لا أعرف السبب، لكن الأرجح أنّ هذه المهنة عكست عليّ في مكان ما من حياتي طابعها الخاص.

***

منذ فترة قصيرة، زادت الطلبيات على مكتبنا، وتحت ضغط العمل، طلب مني رب عملي أن أبحث عمن يُساعدني في وظيفتي، ففعلت.

وقع اختياري على صديقي حسين العاطل عن العمل.  لبّى حسين على الفور دعوتي والتحق بمكتبنا، وساهم مُساعدي الجديد بتخفيف ضغط العمل عني ولكن لفترة قصيرة، لأنّ هذا الأخير أعلن لي فجأة في اليوم السابع من مباشرته العمل أنه لم يتأقلم مع "مضمون الوظيفة"، واعتذر مُبرراً: "آسف .. ما من أمل ... لا مكان لي هنا! ... عليّ أن أذهب بعيداً"، ومضى.

***

عدتُ أقود سيارة الموتى وحدي، وأوزع الأكاليل على زوايا صالون التعازي وحدي، وأواكب التشييع وحدي، وأحفر القبور وأدفن الموتى وحدي.

في أحد الأيام، وأنا أهُم بدفن إحدى الجثث في القبر، بان وجه صاحبها أمامي من داخل الكفن. كان وجه حسين صديقي.

مات حسين، وحفرتُ قبره بيدي. جرت الأمور بسرعة إلى درجة أنني لم أبكه، بل لم أتأثر... كل ما فعلت أنني أنتهيت من دفنه ثمّ انصرفت.

***

مرّت الأيام وأنا أواكب الجنازات. وفي أحد أيام عطلتي تلقيت اتصالاً من رب عملي يطلب مني الالتحاق بالمكتب في أسرع وقت ممكن، بحجة أنّ هناك جنازة كبيرة يحتاجني إليها.

استقبلني رب عملي بعد التحاقي بالوظيفة قائلا: "إنه يومنا .. كـُلـِّـفنا بجنازة كبيرة"، قالها بفخر لا يخلو من الارتباك، ثمّ استطرد قائلاً: "طلب مني أحد كبار قادة البلاد بأن يتولى مكتبنا مراسم دفن أهم الموتى" ... أضاف: "أخيراً سينال مكتبنا الشهرة التي يستحق!".

سألته: "من مات؟؟"

أجاب: "يقولون أنه الوطن ..

سألته باستغراب: "الوطن؟؟ .. لم أفهم!؟".

أجاب مجدداً: "وما همك أن تفهم ! ... المهم أنّها جنازة العمر... هيّا .. هيّا إلى العمل!".

جرت مراسم الجنازة ومشى زعماء الوطن خلف التابوت حسب الأصول، ومشيتُ أنا خلفهم حاملاً الإكليل الأكبر.

كنت مُتشوقاً لرؤية وجه المتوفى هذه المرة، فأنا لم أدفن يوماً وطناً.

... حفرت القبر وانتظرت استلام الجثة لدفنها، وهكذا حصل، ففور استلامي إياها سارعت إلى رفع الكفن عن وجهها والنظر إليه.

بان وجه الوطن أمامي مائلا إلى الزُرقة كمن تلقى سلسلة من الكدمات، وفي دائرة الوجه ظهرَت عشرات آلاف الوجوه البشرية الصغيرة وكأنها حشرات تملأ دائرة الوجه بكامله.

أصابني المشهد بالذعر، فأفلَتُّ الجثة من يدي وهرولت بعيداً عن القبر إلى حيث احتشد القادة أصحاب الفقيد يستقبلون الحشود المُعزية.

كان الجميع يتبادل الأحاديث.

أما أنا فكنت أردد بشبه ضياع: "لن أدفنه.. لن أدفنه... إنّه يضم وجوه آلاف الناس... لا  يمكنني أن أدفنه ؟!".

فجأة ظهر رب عملي من خلفي قائلاً: "أنت هنا؟؟ .. أردت تهنئتك فلم أجدك. مبروك .. مبروك ... نجحنا في مهمتنا... أصبحنا الآن في طليعة مكاتب دفن الموتى في هذا الوطن" ... وأتبعَ كلماته بابتسامة كبيرة مُهنئة.

قطعتُ عليه ابتسامته بالقول: "لكن الوطن مات!"

أجاب: " وإن مات... ما همنا؟".

قلت: "وجهه يحوي وجوه آلاف الناس"

أجابني: "ما همُّنا!"

أضفت: "إحتضر الآلاف باحتضار الوطن.. هل تفهمني؟؟"

أجاب من جديد: "ما همّنا ... هيّا نحتفل".

***

مرّت الايام، وتابعتُ مهام وظيفتي بشكل طبيعي إلى أن جاء يوم هو الأشد غرابة بين أيامي، كـُلـِّـفتُ فيه مراسم دفن أحد الموتى الجدد. استلمتُ الجثة كالعادة أمام القبر، وأثناء مُواراته الثرى ظهرَ أمامي وجه صاحب الجثة. كان الوجه وجهي.

مَرّت الأمور بسرعة،

... لم أبالِ أو أكترث بما شاهدت.

استكملت عملي، وألقيتُ جثتي في قبري بيدي.

ثمّ تركتُ هويتي فوق قبري وانصرفت

... بعيداً عن المقبرة

... بعيداً عن أصدقائي

... بعيداً عن وطني

... بعيداً عن عالم الأشباح التافه الذي أعيش فيه.

***

باسل عبدالله

22/1/2014 




الإيمان بين زمان واليوم

من زمان، كنا إذا حظنا كان حلو بيوم من الايام .. نقول: الله وفّقنا وفتحها بوجنا اليوم، وكنا نؤمن إنو ممكن في يوم تاني الشيطان يسكّرها بوِجنا ... أما اليوم، بعد ما بلشت قناعتنا تتبلور بشكل أكثر منطقية، صرنا نقول: صادف حظنا حلو بهاليوم، ومعقول غير يوم يصادف عاطل!

من زمان كنا لما نسمع بحدوث عجائب .. نقول: نيالهم صار معهم عجيبة، يا ريت كنا معهم... واليوم، بعد ما بلشت قناعتنا تتبلور بشكل أكثر منطقية، صرنا نقول: معقول عجيبة تصير بمكان معين، بينما ألاف وملايين الناس من قديم الزمان حتى اليوم عم تموت بأساليب مُخيفة ومؤلمة بكل باقي العالم، .. ومن وقتها ما عدنا نتوقف كتير عند العجايب يلي بيحكوا عنها بهالعالم!

من زمان، كنا نبني وجودنا وحياتنا ومُستقبلنا على وجود الله، وكان مرتاح راسنا وبالنا، لا هم ولا مين يحزنون... اليوم، صرنا نبني وجودنا وحياتنا ومستقبلنا على وعينا وإرادتنا، وصار الـ هَمْ رفيقنا الدائم، لأن تخلّينا عن فكرة الحماية الإلهية يلي كل الناس يلي عايشين أو يلي عم يموتوا كل يوم، مُؤمنين بها.

يمكن كتير ناس لما تسمع هالكلام تقول: شفت يا باسل، الإيمان بالله وبعجايبه والإلتزام بالواجبات يلي فارضتها دياناته، هي يلي بتريح الراس!

وأنا لما إسمع هالكلام رح وافق على ملاحظتهم...

بس رح طنّش، وكمِّل مُحاولة عيشي هالتجربة الانسانيّة بملء وعيي وإرادتي... واتوكل على نفسي من جديد و"اشكر الله" على إيماني الجديد المختلف عن طريقة ايمانهم، وعالهموم يلي لاحقتني اليوم وما عم تركني من ورا هل إيمان، لأن من دونها ما فيني كون إنسان حر وعم يتطور يوم بعد يوم بعد يوم بعد يوم بعد يوم بعد يوم بعد يوم بعد يوم بعد يوم ..............................

باسل عبدالله

6/1/2014



تطوُّر

عندما تتلاشى جميع الحواجز التي تمنعك من النظر إلى البعيد، ستعرُفُ أنّك وحيدٌ في هذا العالم.

لا مَن يقف إلى جانبك ليُرشدك

ولا من يدفعُك إلى الأمام ويحُثك على التقدم

... ستعلمُ أنّ على قاربِكَ أن يُبحر بدون بوصلة أو خريطة أو حتى مجذاف .. وباتجاه المجهول !

... ستعلمُ أنّ عليك مُتابعة السير مُنفرداً حتى خط النهاية .. وحتى آخر لحظاتك في هذا العالم، رغمَ الأبواق التي تنفخ من حولك مُحاولة نهيك، ومُردِّدَةً عبارات تقليدية تافهة ومُتشابهة لم تعد تعني لك شيئاً.

... سيُرعبك ما تشعرُ به

وستضطرب،

فقد تجاوزت بمسافات جمهور المُسلِّمِين بأمرهم، 


لكنك ستتباهى أمام الكون أنّك تخطيت مشاعرَك وانفعالاتك، وتفوقت على نفسك وعلى مجتمعك وعالمك وآلهته، وانبعثتَ من جديد إنساناً أمتنَ وأقوى وأكثرَ انسجاماً مع وجوده الإنساني في هذا العالم المُبتذَل والهش.

باسل عبدالله
1/1/2014


تضامن على مين؟

اليوم 21/11/2013، سكّروا بوابات الدوائر ببعبدا على الساعة 11، ووقفوا الدرك على البوابات وضهَّرُوا الناس لبرا، ووقفت هالناس على البوابات ... وكبرت العجقة، بانتظار تمرق ساعة أو أكتر تضامناً مع شهداء السفارة الإيرانية.
التضامن واجب، لأنو الناس الفقرا عم تموت، بس تضامن شو هيدا يلي بِكون على المواطن مش مع المواطن،
المقصود إنو إذا دولة بدها تتضامن مُفترض تنكّس العلم اللبناني بكل الوزارات وبالقصر الجمهوري والمحافظات الخ ... أو إذا في مهرجان معين محدد سلفاً، ممكن تلغيه أو تأجله أو مثلاً يلتزموا الوزراء يُوقفوا عشر دقايق صمت بس (ما بدنا أكتر) تضامناً مع حياة المواطن (مش لأنو السياسيين أصل المشكل... لا ما هيك قصدي... لإنو هني ممثلين الدولة يلي عم تتضامن مع الشعب بس).
بس شو قلو طعمة هيدا التضامن يلي عا حساب الناس وتعب الناس وهلاك الناس؟
إنو واحد معطل شغله من هالمواطنين العاديين وطالع على دوائر بالدولة يقضي حاجتو، وعم يحاول يمشي شغلته، فجأة بقلولوه: في تضامن خيي، بدك تنطر ساعة عالباب - هيك بس - لإنو دولتك ما بتعرف تتضامن إلا بواسطك وعبرك وعا حسابك.
يا دولتنا،
هيدا ما بسموه تضامن "مع الناس"، هيدا بسموه تضامن "على الناس"، يعني تضامن بالمقلوب!
التضامن مع الناس عنده أصوله، وأول أصوله إنو ما يحرق دين الناس أكتر وأكتر،
في حال بدو يتعِّب هالتضامن حدا، خلي يتعِّب الحاكمين بأمور الناس، بس الناس لأ، وإلا ما بيعود "تضامن"، بصير "تآمر"!
ما ينفهم كلامي إني ضد التضامن، بالعكس، أنا أول واحد مع التضامن، لأن الإنسان بلبنان هو دائماً الضحية، حياته ومعيشته وصحته وتطوره بقلب المجتمع هِنّي دائماً الضحية لمصالح لكبار، بس بالمستقبل يا جماعة فيكن تستعملوا وسائل ما بتعذب الناس العاديين.. التعبانين... التلفانين... المعترين!
بدكم تضامن؟؟؟ .. طيب، فيكن تلغوا مهرجان صرلها تمارينه يومين مسكرا طرقات البلد... فيكن تنكسوا أعلام هالبلد يلي ما عاد بلد عن الوزارات والدوائر ويلي بدكن ياه... فيكن تحطوا أكاليل ليوم الأكاليل، ... فيكن تعتبروا اليوم يوم عطلة، ساعتها بيعرف حاله الواحد من الأساس إنو ضهرا من البيت ما في .... بس ابعدوا عن لقمة عيش المواطن المتوسط الدخل والفقير، لأنو المواطن المتوسط الدخل والفقير بلبنان قرفان، وكل ما حضراتكم تعملوا حسابات اقليمية ودولية .. وتأخروا تشكيل حكومة .. وتتواجهوا عالمنابر وتعملوا عنتريات، عم يتأكد هيدا المواطن إنو نتيجة العنتريات تبعكم رح تطلع دايماً براسه، لأنو فشة الخلق عا طول بتطلع فيه، من زمان وجايي، وهو عا طول الضحية.
ماشي الحال،
وقفت العالم ونطرت، وبعد شوي بتفوت،
ماشي الحال، كرمال موت الناس بس... انتبهوا موت الناس المعترين بس... ما رح تفرق وقفة ساعة وساعتين وتلاتة على الناس المعترين متلهم....
بس الفكرة، إنو عقبال ما هالبلد يلي ماشي بالمقلوب يصير يوماً ما بلد ماشي جالس ... وبكل شي، مش بس بالشكليات ...لأ،  بالأساسيات كمان.
لأنه الدور جايي عا كل الناس، والموت عم يلوح بالأفق، والوطن مريض بغرفة العمليات... ويلي عم يعالجوه مخرّجين من أهم جامعات عالمية، بس بغير اختصاص الطب، وبخصوص نتيجة معالجتهم لحياة هالوطن، ... فهمكم كفاية !
باسل عبدالله
21/11/2013


إفتتاحيّة العدد الثامن من نشرة تواصل مدني تاريخ 10/2013

 






المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بين حلم أوسلو والآمال المفقودة


عشرون سنةً مرت على المُصافحة الشهيرة بين ياسر عرفات واسحاق رابين برعاية أميركية يوم توقيع اتفاقية أوسلو التي شرّعت الحكم الذاتي للسلطة الوطنية الفلسطينية.

عشرون سنةً مرت ولم تتحقق أي من المطالب الخمسة الأساسيّة للشعب الفلسطيني.

فلا سلطة الحكم الذاتي الفلسطينيّة تمكنت من بسط سلطتها على أراضي الحكم الذاتي، وإسرائيل ما زالت تحتفظ بالسيطرة الكاملة على 61 % من مساحة الضفة الغربية.

- والشعب الفلسطيني ما زال رهين السلطة الإسرائيلية وفي قبضة "الإذن الإسرائيلي" في تنقلاته داخل وخارج حدود حكمه الذاتي.

- والمستوطنات ما زالت تقضم الأراضي والقرى الفلسطينية دون أي رادع.

- والقدس ما زالت تحت السيطرة العسكرية والسياسيّة الإسرائيليّة.

- واللاجئون ما زالوا مُشتتين في البلاد العربية ينتظرون حق العودة.

***

لا شك بأنّ إسرائيل لم تكن بالجديّة للسماح للسلطة الفلسطينيّة بتحقيق مكاسب حقيقية، خاصة مع وصول بن يمين ناتنياهو إلى الحكم بعد اغتيال رابين، ولا شك أنّ الولايات المتحدة بذلت جهوداً كبيرة لفرض تنازلات على الجهة الفلسطينيّة، غير أنّ إتفاقيّة أوسلو مثلت في مضمونها مُغامرة فلسطينيّة معروفة النتائج، لم تتمكن، رغم وجود القائد التاريخي للثورة الفلسطينية - ياسر عرفات - على رأسها ، من فك الحصار عن الشعب الفلسطيني أو تحقيق أي تغيير في واقعه المُتردِّي، خاصة أنّ عرفات فضّل السير بهذه المفاوضات مُنفرداً في ظل تشتت العالم عربي غير القادر على دعمه.

بالنتيجة بقيَت الحقيقة هي هي : ظهرت إتفاقيّة أوسلو كحدث اعلامي تاريخي كبير أسّس للاعتراف بالدولة الفلسطينيّة، لكنّ السلطة الفلسطينية بقيت "سلطة وهميّة صورية" فقدت مع الأيام ثقة الشعب الفلسطيني.

***

تتجدد اليوم المفاوضات "المُغامرة" بين السلطة الفلسطينية والإسرائيليين، ويُحاول الشباب الفلسطيني الإعتراض على طريقتهم على هذه المفاوضات من خلال إطلاق تظاهرات فايسبوكيّة تعبّر عن قناعة هؤلاء بضعف السلطة الفلسطينيّة وعدم قدرتها على دخول مفاوضات جديدة خاسرة سلفاً، ففـُرص نجاح  هذه المفاوضات الجديدة معدومة بنظرهم في ظل سقوط جميع الأوراق التي يمكن التعويل عليها لتحقيق مكسب جدِّي في أي من المطالب التاريخية الخمسة للفلسطينيين.
لقد أدى انهيار اتفاقية أوسلو إلى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وقد يكون الشعب الفلسطيني اليوم في ظل مفاوضات غير متوازنة، بحاجة إلى انتفاضة جديدة هي أمله الوحيد في اختراق هذا الأفق البعيد والمسدود، الذي يحتاج إلى فرض أوراق فلسطينية جديدة على طاولة جديدة للمفاوضات.
باسل عبدالله
14/9/2013



إكتظاظ بشري مُمِل



تَجري نملةٌ خلف أخرى في خط سيرٍ مُحدّد ومُعقّد وطويل، تبحثُ على دربه عن قُوتها اليومي ومُونَتِها السنويّة. ويَفرضُ مُجتمع الحشرات هذا، بِمَساره، نظامَ حياةٍ جميل ومُمِل في آن... نُراقبه باهتمام وإمعان...

نُعلن لأنفسنا: "إنه مُجرّد مُجتمع حَشرات لا غير، يُطبِّق بدقة وإتقان عاليين غريزته بدون تفكير".

نتعجب، بادئ ذي بدء، من هذا المشهد، ثمّ نعتاد عليه، ونصل في النهاية إلى الشفقة أو الاستهزاء بهذا التكرار المُمِل ... وبهذه الدوامة التي لا تنتهي!

***

ولكن بعيداً عن ذلك، ما مِن مُشكلة، نعم ما مِن مُشكلة، فنحنُ كبشر نعشقُ التجدُّد والتطور، وكلٌ مِنا - أي كل فرد - يعتبر نفسه مُميّزاً وله خصوصيته الإنسانية في نظر نفسه، ونظر الطبيعة، ونظر الكون، ونظر الله.
نعم، ونُصِرُّ على هذا التوصيف الإنساني.

***

فجأةً ومع مُرور الزمن وتوالي الأيام، يَحضُر التطور التكنولوجي أمامنا، ليطلب منا التوقف عن هذا "الفخر الإنساني بالنفس" الغبي، ويعرض علينا أن نَتَسَمّر أمام شاشات التلفاز ومواقع الإنترنت، لنَشهد بوعينا الكامل حقيقة ما يدور حولنا مِن أحداث تُفيد بِشكل لا يقبل الشك أنّ ما يُميزنا كأفراد، هو مُجرّد هراء، فمِثلنا في هذا العالم مثل مليارات الناس والحيوانات والحشرات والطيور والأسماك والنباتات، مِمَن مَرُّوا أو يَمُرون الآن أو سيَمُرون غداً على هذه الأرض!

إنه إكتظاظ بَشري بكل ما للكلمة من معنى، ... اكتظاظ يفرضُ نفسه ليُعلن أننا لا نُساوي شيئاً في حركة هذا التاريخ بأحداثه المُتلاحقة، وبالتالي في حركة هذا العالم.

نحن مُجرد مُنتجات مُتكرِّرة تَحكُمها الغريزة، رغم ما نتذرّع بأننا نحمله من عقول!

***

جرّاء ذلك، ندخل كمجتمع بشري في حالة اضطراب عصبي ونفسي.

نضطرب حين نكتشف أنّ كل ما يدور حولنا في مُجتمعنا البشري لا يُشكل سوى حالة مُماثلة لمجتمع النمل الذي سَبَق واستهزأنا به، ولكن على شكل أكبر حجماً.

نضطرب لمُجرد أن نتخيّل أننا قد نكون في نظر النجوم مثلاً، مجموعة حشرات تُمارس غريزتها، ولا تستحق من النجوم سوى الشفقة أو الاستهزاء بها!



***

هو مزيجٌ من تطور في الوعي والمعلومات لدينا.

التكنولوجية تُؤكد لكل فرد منّا بأنه ليس بمُمَيّز عن أحد، بل هو واحدٌ من بين مليارات المُتنفسين هواءَ هذا العالم!

نعم، وتتعَقّد الأمور مِن منظار "لا وعينا"، ... هو شعورٌ يأخذ بهذا "اللا وعي" إلى الإحباط، ولا ينتج عن هذا الاحباط سوى الملل. والملل يتقاطع مع شعور آخر بـ"القلق على المصير"، فنتساءل:

هل جميعنا ينتظر مصيراً واحداً لا غير؟

هل نحن فعلاً لسنا سوى حالة اكتظاظ ضروريّة لاستمرار الشكل المُمِل لهذا العالم؟

هل نحن في نفس مَوقع تلك المخلوقات الصغيرة التي ننظر إليها نظرة استهزاء؟

وأسئلة كثيرة أخرى .....................

وعيُنا الجماعي يأخذنا  إلى حالة موت سريري، بانتظار لحظة الرحمة !!

فرجاءً، وإلى ذلك الحين ... توخّوا الحذر وأنتم تمُرُّون على هذه الأرض، فقد تدوسون في لحظة ما حضارة أحد أنواع حشرات مُجتمعات هذا العالم. وقد يكون هذا المُجتمع الذي دُستم عليه باستهزاء، المُجسّم الصغير وليس الأصغر، من مجتمعكم الكبير وليس الأكبر، الذي قد يأتي مَن يدوس عليه أيضاً باستهزاء، من المخلوقات الكونيّة المرئيّة أوغير المرئيّة الأكبر!!

***

باسل عبدالله
15/8/2013



المواطن والتمديد



على خلفيّة ذرائع ومُبررات لا تنتهي قرروا التمديد لمجلس النواب، أعلنوا لنا: الظروف غير طبيعية - الأخطار مُحدقة - التوتر الأمني كبير، وكأنّ وطننا كان ينعم بالهدوء والسكينة قبل الآن.

نعم، تذكرُوا الآن أنّ "الحالة تعبانة" في لبنان، مُتناسين أنّ مُناكفاتهم وحُروبهم الداخلية واصطفافهم هو سبب هذه الحالة!

ورغم أنّ أصواتنا بُحَّت منذ سنوات ونحن نطالب بأن يُسرعوا قبل فوات الأوان في اعتماد قانون جديد حديث نسبي غير مُطيّف للإنتخابات على صعيد دوائر كبرى، وقدّمنا في هذا الإطار اقتراحات بذلك إلى وزارة الداخليّة، غير أنّ نوّابنا الكرام لم يبالوا، وماطلوا .. وماطلوا.. حتى خيّرونا في النهاية، بين أن نَقبل قانون الستين الأكثري كما هو، أو أن نرضخ لقانون أكثر طائفية جديد هو قانون اللقاء الأورثودكسي.

وعندما تفاقمت الأمور وتضاعف التوتر، أفرجوا لنا عن بدعة تأجيل الإنتخابات ومَددوا لأنفسهم سنة ونصف السنة.

قرروا التمديد لأن "الظروف الإستثنائية" و"الوضع الأمني" مُتدهور. 

تناسوا ما يطلقونه من شعارات عن نواياهم بتقديم قوانين إصلاحيّة، وتفرغوا لمتابعة وانتظار تطورات الوضع الإقليمي وما سينجم عنه من تأثيرات مباشرة على مُستقبل مصالحهم الخاصة في لبنان. ففي دول العالم الثالث، لا مكان للتقدم والتحديث، ولا مكان للقوانين التطويرية للمجتمع، الساحة هي دائماً ملك القبائل وأعرافهم.

طعنَ رئيس الجمهورية ميشال سليمان والتكتل الوطني الحر في التمديد مُستندين إلى:

- رفض ذريعة الأوضاع السياسية والأمنية في لبنان ورفض وصفها بالقوة القاهرة، ذلك أن لبنان لا يشهد حرباً مُدمرة على أراضيه .

- مخالفة المادة 42 من الدستور التي تُوجب إجراء الانتخابات النيابية حتماً قبل انتهاء ولاية مجلس النواب. 

- مخالفة المادة 27 من الدستور التي تنص على أن عضو مجلس النواب يمثل الأمة جمعاء ولا يجوز أن تربط وكالته بقيد أو شرط من قبل منتخبيه، ما يعني بأن ما يربط النائب بالشعب هو توكيل مُحرر من أي قيد أو شرط، ويجب على النائب التقيد بأجل الوكالة عند منحها.

- مخالفة مبدأ تداول السلطة والدورية في ممارسة الشعب لحقه في اختيار ممثليه، فلكل مواطن حق الاشتراك اقتراعاً وترشيحاً في انتخابات دورية صحيحة نزيهة تجري على أساس الاقتراع العام المُتساوي السري، ولكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده.

كانت خيارات المجلس الدستوري القانونية في مسألة الطعنين المُقدّمين، إما إبطال القانون كلياً فيُرَد القانون بمجمله دون أن يُقدَّم بديلٌ له، وفي هذه الحالة تصبح السلطة التشريعية في مواجهة حالة الفراغ، أو أن يقدم المجلس الدستوري البديل أو خارطة طريق للبديل، أو أن يبطل المجلس الدستوري القانون جزئياً ويُقصِّر مدة التمديد.
لكن القبائل السياسية طوّقت القضاء أيضاً، وعُطّل المجلس الدستوري بعد أن انتهت المهلة المعطاة له بالبت بالطعنين، والسبب كان غياب ثلاثة أعضاء منه عن جلساته. وكرّس قانون التمديد للمجلس النيابي.

وكما في كل مرّة وقعَ المُواطن المَغضُوب على أمره ضحية مصالحهم السياسيّة وتحالفاتهم الإقليمية والدوليّة.

لم يأتوا لنا بجديد، بل قدموا لنا نفس الطبق المر الذي ما زلنا بأغلبنا في لبنان نتناوله بتلذذ ورضا، فأغلبنا فقد حاسة التزوق، وحتى حاسة الشم!

على أمل أن تعود للشعب حواسه ويستبدلهم ويستعيد حقوقه من جديد بحركة تمرّد لبنانيّة جديدة مُتماسكة أكثر من تحركاتنا وتجمعاتنا وتكتلاتنا الشبابيّة اللاطائفية السابقة.

باسل عبدالله

9/7/2013




دوّامة الإحباط

















أحياناً .. تنقلب عندنا الأدوار،

نَكـُونُ على مشارف موقف مُحزن ومُزعج، 

... وبدل أن نبكي .. نجد أنفسنا نُطلق القهقهات !

نعم ... وتكرُّ الضحكة حتى تتحول إلى ما يشبه النواح ...

هو تعبير عن اختلاط كل شيء في منظار وعينا

تعبير عن تخبُّط مُتجدِّد يتملكنا رغماً عنّا

عن حالة نفسيّة مُتفاقمة تصفُ ضراوة حالتنا،

عن فقدان توازن يمنع عنا التركيز والمواجهة.

هي حالة مُرتبطة بقلقنا الدائم

... وقرفنا الدائم ...

وضياعنا في دوامة كل ما يدور حولنا !

راحة مفقودة اجتماعياً ...

راحة مفقودة اقتصادياً... صحياً... عائلياً... سياسياً... الخ ...

باختصار، كلما نُحاول بجهد أن نتقدم خطوة إلى الأمام، نجد مئات الأسباب والظروف والمُبررات لتعيدنا خطواتٍ إلى الوراء !

يتملكنا ضياعنا ... هذا الضياع المُتمكِّن

الذي لا مجال من أن ينتشلنا منه أحد.

نبحث بمواجهته فقط عن مُسكنات

ونضاعف الجرعات

ندمن على تناول ما يحفظ قدرتنا على تقبل ما يحيط بنا من مشاكل كثيرة، ببرادة متناهية...

نختلق لأنفسنا الأعذار

... نختلق المبررات لخضوعنا للأمر الواقع

ننتظر

وننتظر

ولكن... لا شيء

نعم ... لا شيء

لا أفق

... لا تطور

فقط شلل وتدهور

واختناق ... واختناق

... نتقهقر باحترام

على أمل أن تطرأ صدفة ما تُغير الواقع

تنتشلنا من غفوتنا ومن حالة التخدير التي تملّكت مع الأيام حواسنا ومشاعرنا وإراداتنا

على أمل أن نستردّ الروح

فتتحرك نبضات قلوبنا

ونعود إلى الحياة من جديد

لنحاول من جديد الثورة على ضعفنا ...

الثورة على انفصام شخصيات من يُحيطون بنا ...

الثورة على المُسكّنات التي أقسوا بها إراداتنا ...

.. نتسلل من الصدف

ومن هفوات من أرادوا لنا أن نكون كذلك

لنُحاول صنع التغيير

.. نتسلل من الصدف

ومن هفواتهم

لنفجر غضبنا بشكل مفيد

.. نتسلل من الصدف

ومن هفواتهم

لنشعل انتفاضتنا بوجه كل من يتعمَّد دائماً أن يُسقطنا في دوّامة الإحباط القاتلة!!


باسل عبدالله 28/6/2013



... وقضى أثناء قيامه بواجبه الجهادي


عشرات السنين مرّت، ولبنان واللبنانيون يتخبطون في مواجهة عقيمة سلاحها الكلمات والعبارات الرنانة والمصطلحات المُختارة باعتناء للدلالة على طبيعة هذه المواجهة اللبنانية اللبنانية... وأحياناً الطائفية والمذهبيّة والتصنيفية والترهيبية والتبريرية.

عشرات السنين ولغة الخطاب تشكل المادة الدسمة للحوار والنقار، وللمدح والاحتقار المتبادل بين الفرقاء اللبنانيين.


حتى وصل بنا الأمر أن أضحينا، بفعل عملية التخدير التي أدخلونا بها منذ عشرات السنين، بحكم اللا مُبالين بهذه المصطلحات والعبارات، بحيث باتت هذه المصطلحات والعبارات تمر علينا مُرور الكرام مهما كانت أهميتها ووقعها في الساحة السياسية اللبنانية المُتشرذمة.


أحدى هذه العبارات، وهي عبارة "وقضى أثناء قيامه بواجبه الجهادي"، عبارة قديمة تاريخية ولكن مُتجددة النكهة، تستعملها بشكل مُتواصل الوسيلة الإعلامية التي تُمثل حزب الله اللبناني، في إطار الدلالة على وقوع قتلى من أفراد هذا الحزب أثناء قتال أو عملية مُواجهة أو عمل ميداني في إطار ما اصطلح على تسميته بـ "مقاومة الإحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان"، والتي أبلت فيه هذه المقاومة، أي "المقاومة الإسلامية" وهي الجناح العسكري لحزب الله، البلاء الأكثر من حسن في مواجهة الجيش الإسرائيلي قاهر الجيوش العربية.


ولكن هذه العبارة، بدأت مع مطلع العام 2008 تتوسع بمدلولالتها لتُستعمل في إطار "واجب جهادي" ما زال بحسب تعبير الوسيلة الإعلامية نفسها واجباً مُرتبطاً بالعدو الإسرائيلي، لكنه ضمنياً بدأ يأخذ مدىً جغرافياً وعملياً أوسع بكثير من مفاد العبارة كما تمّ تداولها قبل هذا التاريخ.


وربما كان هذا سبباً رئيسياً في تبديل نظرة كثير من المفكرين والقارئين في السياسة اللبنانية لصورة حزب الله الفريق المقاوم في لبنان، بحيث أصبح عدد كبير منهم يجد أنّ الأمور إذا ما استمرت على هذا المنوال، قد يكون من نتائجها أن يجدوا أنفسهم ربما يوماً ما، وفي حال خلافهم العقائدي مثلاً مع هذا الحزب، هدفاً من أهداف هذه المواجهة.


بدأت هذه النظرة المُتغيرة في نشاط الحزب الميداني تفرض نفسها مع أحداث أيار 2008 في بيروت، التي ظهر حزب الله فيها بشكل أكثر نفوراً كقوة سياسية وعسكريّة متفوقة على السلطة العسكريّة للدولة.


لا شك في أنّ الأسباب التي مهّدت لأحداث أيار 2008، كانت كثيرة ومُتداخلة ويتحمل مسؤوليتها فرقاء أساسيون كثر على الساحة السياسية اللبنانية، لكن وقع سيطرت حزب الله الميدانية على الأرض في مُواجهات بيروت وضعت هذا الحزب في صورة نافرة وموضع نقاش واسع لسنا بصدد الدخول في متاهاته في مقالتنا هذه.


اليوم ... عادت عبارة: "وقضى أثناء قيامه بواجبه الجهادي" تستعمل بشكل يومي للدلالة على استشهاد أفراد من حزب الله في مواجهات الصراع في  سوريا، ولكن وسيلة إعلام الحزب ما زالت مُصرّة على عدم ذكر هذه المعلومة الأخيرة "أي وقوع هذا الواجب الجهادي على الأراضي السوريّة"، ربما هو تكتيك إعلامي، أو هو خوف من أي نقاش قد يطرأ بشأن ماهيّة الواجب الجهادي وما إذا كان واجباً دفاعياً عن لبنان، أو عن الدين، أو عن سياسة إقليمية معينة، خاصة بعد إقحام "المقامات الدينيّة" في أسباب ومُبررات الانخراط في المواجهة السورية.


حين  تمر عبارة  "وقضى أثناء قيامه بواجبه الجهادي"على مسامعنا بشكل يومي هذه الأيام، تأخذنا ردة فعلنا في الوهلة الأولى إلى حُدودنا الجنوبية وإلى إسرائيل، ونتخيل في لحظة سريعة أبطال المقاومة يواجهون اقتحاماً إسرائيلياً ما على الحدود الجنوبية، ... قبل أن يتدارك وعينا الموضوع، ونتذكر بأنّ حزب الله أقحم نفسه أو اُقحِمَ في المواجهة السوريّة، أيضاً تحت غطاء المواجهة العربية الصهيونية.


أميركا وإسرائيل وأوروبا وروسيا ودول عربية وإسلامية تتخبط في معمعة الأحداث السورية، وديكتاتوريات وثوار وقوى إسلامية مُتطرفة وتكفيرية ومُخابرات اقليمية وعالمية تتخبط أيضاً معها في هذه المواجهات، وإضافة إلى جميع هؤلاء، تصرُّ قوى لبنانية مُتعدّدة على المشاركة أيضاً بفخر في هذا الصراع!


إلى أين وإلى متى؟ لا ندري ... ولكن من المفيد أن نشير إلى أنّ عبارة "وقضى أثناء قيامه بواجبه الجهادي"، في الواقع الذي تظهر عليه اليوم وفي الحالة التي وصلت إليها، تدل إلى أنّ واقع أسلوب تخدير الناس بالعبارات الرنانة، لم يعد صالحاً، وعلى القوى اللبنانية التي تستعمل جميعها بكثرة العبارات والمُصطلحات المُجَمَّلة والمُرادفة لهذه العبارة، أن تَحْذر من أنّ سُمعتها أصبحت على المحك، ولولا العصا الطائفية والتمويل الخارجي، لسقطت من المعادلة الإعلامية والشعبية منذ سنوات!


ملاحظة: شعرت بعد كتابتي هذه المقالة، وربما من منطلق تأثرنا الدائم بالفرز السياسي والإنقسام المستمر على الساحة اللبنانية، بأنه كان عليّ أن أوسع هذه المقالة لأعطي قوىً سياسيّة أخرى حقها في عملية التخدير التي تمارسه على الناس، لكنّني فضلت الإلتزام بالحدث موضوع فكرة المقالة. فاقتضَى التوضيح.


باسل عبدالله


4/5/2013




حوار بين الإمام علي بن أبي طالب ونيتشه (أجرى الحوار باسل عبدالله)


- علي بن أبي طالب: اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء وبقوتك التي قهرتَ بها كل شيء وخضع لها كل شيء وذلّ لها كل شيء وبجبروتك التي غلبت بها كل شيء وبعزتك التي لا يقوم لها شيء وبعظمتك التي ملأت كل شيء وبسلطانك الذي علا كل شيء وبوجهك الباقي بعد فناء كل شيء وبأسمائك التي ملأت أركان كل شيء وبعلمك الذي أحاط بكل شيء وبنور وجهك الذي أضاء له كل شيء يا نور يا قدوس يا أول الأولين ويا آخر الآخرين، اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم، اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم، اللهم اغفر لي الذنوب التي تغير النعم، اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء، اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل البلاء.

- نيتشه: أحد أهم مواضيع الشعر هو ملل الله بعد اليوم السابع من الخلق!

- علي بن أبي طالب: لا إله إلا الله عدد الليالي والدهور، لا إله إلا الله عدد أمواج البحور، لا إله إلا الله ورحمته خير مما يجمعون ، لا إله إلا الله عدد الشوك والشجر ، لا إله إلا الله عدد الشعر والوبر ، لا إله إلا الله عدد الحَجَر والمَدَر ، لا إله إلا الله عدد لمح العيون، لا إله إلا الله في الليل إذا عسعس، والصبح إذا تنفس، لا إله إلا الله عدد الرياح في البراري والصخور، لا إله إلا الله من اليوم إلى يوم ينفخ في الصور.

- نيتشه: أيكون إلها خيرا ذلك الذي يعلم كل شيء، ويقدر على كل شيء، ولا يعبأ مع ذلك بأن تكون مقاصده مفهومة لمخلوقاته ؟.. ألا يكون إلها شريراً ، ذلك الذي يملك الحقيقة ، ويرى ذلك العذاب الأليم الذي تعانيه البشرية من الوصول إليها ؟

- علي بن أبي طالب: عجبت لمن شك في الله وهو يرى خلق الله. إياك ومساماة الله سبحانه في عظمته فإن الله تعالى يذل كل جبار ويهين كل مختال.

- نيتشه: هل تستطيع أن تتصور إلهاً؟ إذن أرجوك أن تلزم الصمت بالنسبة لكل الآلهة ! إلا أنك مع ذلك تستطيع أن تخلق سوبرمان!

- علي بن أبي طالب: إن قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار... إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنّتك، ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك. ... الإيمان شجرة أصلها اليقين وفرعها التقى، ونورها الحياء، وثمرها السخاء.

- نيتشه: ... جوله سريعة في مصح عقلي يثبت أن الايمان لا يثبت شيئاً.

- علي بن أبي طالب: أعظم الذنوب عند الله ذنب أصرّ عليه عامله.

- نيتشه: إن الصعاب التي نشعر أننا لسنا في مستوى مواجهتها لا نريد من الناس أن يلمحوا إليها ولو بمجرد تلمـيح أمامــنا
.
.. الاكثر شجاعة بيننا نادرا ما يقرر ما يعرفه حقيقة.

- علي بن أبي طالب:
إنما الدنيا فناءٌ                                      ليس للدنيا ثبوتُ
إنما الدنيا كبَيتِ                                    نسجته العنكبوتُ
ولقد يَكفيك منها                                    أيها الطالب قوتُ
ولعمري عن قليل                                 كل من فيها يموتُ

- نيتشه: الاعتقادات الراسخة هي أعداء الحقيقة وهي اكثر خطرا من الأكاذيب. أشعر أن عليَّ أن أغسل يدي كلما سلمت على إنسان متدين.

- علي بن أبي طالب:
ولو أنّا إذا مِتنا تُركنا                           لكان الموتُ راحة كلّ حيِّ
ولكنا إذا مِتنا بُعثنا                             ونُسأل بعد ذا عن كل شيِّ

- نيتشه: إن كان هنالك آلهة، أكنت أتحمل أن لا أكون أنا إلهاً ؟

- علي بن أبي طالب:
رايتُ الدهر مُختلفاً يدورُ                         فلا حزن يدوم ولا سرورُ
وقد بنت الملوك به قصوراً                      فلم تبقى الملوك ولا القصورُ

- نيتشه: جميع الحقائق بسيطة" - أليست هنه كذبة جديدة؟

- علي بن أبي طالب:
سأصبر حتى يعجز الصبر عـن صبري         وأصـبـر حـتى يحـكـم الله فـي أمـري
سأصبر حتى يعلم الصبر أني                    صبرت على شيء أمرّ من الصبر
... اللسان ميزان الانسان

- نيتشه: كل مفكر عميق يخاف أن يفهم أكثر من خوفه من أن يساء فهمه

- الإمام علي بن أبي طالبإياك والكلام فيما لا تعرف طريقته ولا تعلم حقيقته فإن قولك يدل على عقلك، وعبارتك تنبئ عن معرفتك فتوقّ من طول لسانك ما أمنته واختصر من كلامك ما استحسنته فإنه بك أجمل وعلى فضلك أدل.

- نيتشه: يجب على الفيلسوف أن يكون الضمير الشرير لعصره. نحن الفلاسفة والارواح الحرة، إننا نفيض بالإشراق، كإشراق فجر وردي جديد، عند سماعنا أن "الله القديم قد مات"، وبذلك تفيض قلوبنا بالإمتنان والدهشة والشعور بالفرح والتوقع ... أخيراً فإن سفننا تستطيع أن تبدأ برحلتها مرة أخرى في وجه كل خطر، فكل مخاطرة مسموحة الأن للعارفين، والبحر بحرنا، يمتد منفتحاً أمامنا من جديد، ولربما لم يكن هناك بحر مفتوح على هذه الشاكلة من قبل.

علي بن أبي طالب: ربّ كلمة سلبت نعمة ولفظة أتت على مهجة.

- نيتشه: الله حدس، إلا أنني لا أريد أن يصل حدسك إلي أبعد من إرادتك الخالقة.

- علي بن أبي طالب:
إركن إليه وثق بالله واغنَ به                 وكن حليماً رزين العقل محترسا
وَكُنْ فَتًى ماسكا مَحْضَ التُّقى ورعا         للدِّيْنِ مُغْتَنِما لِلْعِلْمِ مُفْتَرسا
فمن تخلقَ بالآداب ظلَّ بها                    رَئِيْسَ قَوْمٍ إِذَا ما فارق الرؤسا
واعلم. هُديتَ. بأن العلم خير صفا           أضحى لطالبه من فضله سَلِسا

- نيتشه: إنني أحرمك من كل شيء، من الله، ومن الواجب، فعليك أن تواجه أقسى امتحان للطبع النبيل.

- علي بن أبي طالب:
تحرر من الدنيا فإن فناءها                         محلّ فناء لا محلُّ بقاءِ
فصفوتها ممزوجة بكدُورةٍ                         وراحتها مقرونة بعناءِ

- نيتشه: الانسان ليس سوى احتقارا للاله؟ أو الاله ليس سوى احتقارا للانسان؟

- علي بن أبي طالب:
دع الأمور تمشي في أعنتها                 ولا تنم إلا وأنت خاليَ البال
ما بين غمضةِ عينٍ والتفاتتها                يبدّل الله من حالٍ إلى حالِ

- نيتشه: بالمرة الواحدة ، هناك أشياء كثيرة لا اريد أكيدا معرفتها. الحكمة ترسم حدودا حتّى للمعرفة. لكن فوق كل القوانين: ما نفعله عن حب، يجري دائماً ما وراء الخير والشر.

- علي بن أبي طالب:
حبيبٌ ليس يعدله حبيبُ                           وما لسواه في قلبي نصيبُ!
حبيب غاب عن عيني وجسمي                  وعن قلبي حبيبي لا يغيبُ.

باسل عبدالله
4/4/2013



إفتتاحيّة العدد السابع من نشرة تواصل مدني تاريخ 5/2013

           



فشّة خلق

الله يلعن هالحالة يلي وصلنالها، يلي فيها لي بيتديَن تا يتاجر بكل شي عندو، بيمشي حالو وبصير باللوج، ويلي ما بطيق الدَين بيضلو مديون طول حياتو !

الله يلعن هالحالة يلي فيها لي بيطول لحية أو لسان وبيحكي وبيلعب عا عواطف الناس بتنسمع كلمتو وبصير قديس، ويلي بيحكي كلمتو بالمنطق والعقل باختصار بصير إبن ... !

الله يلعن هالحالة يلي فيها لما الواحد بدو يسلّم على انسانة باحترام، بقلها يا حجة بلا ما يقلها يا ست او يا مدام !

الله يلعن هالحالة يلي فيها يلي بحب وبيعشق باحترام بفوت بالحيط، ويلي بيعمل السبعة وذمتها بصير عاشق رومنطيقي!

الله يلعن هالحالة يلي فيها لي عندو مبادئ وقيم يُعتبر أهبل، ويلي بيطرّف وبيطرّف وبيطرّف، الناس بتموت بمبادئو، مع إنو عاطول بلفلف على كل شي فيه مبادئ !

الله يلعن هالحالة يلي وصلناها، يلي فيها لي بيكدح بالحياة بهالبلد وبيشتغل بعرق جبينو ما فيه يعيش بهالبلد، ويلي حاطط مكيّف 24/24 ساعة والمصاري بتوصل لتحت ط...، عايش عا ضهر لي بيكدحو  وعا ضهر البلد!

الله يلعن هالحالة يلي فيها السياسي يلي بيخترع قانون طائفي جديد وبعين وقحة ممنوع حدا يحكيه كلمة، أما لي بطالب بقوانين مدنية وبزواج مدني يُعتبر عم يمس بالسلم الاهلي وبوطن التعايش !

الله يلعن هالحالة يلي وصلناها، يلي فيها لي بيتهيج وبيحمل سلاح على الدولة بتضلها الدولة لاحقتو عم تراضي فيه وبتبسلو راسه وإجريه، ويلي بِسالم الدولة وبقلها "يا دولتي إنت مسؤولة عني" بتلعن الدولة كـِ... اختو !!

الله يلعن هالحالة يلي وصلناها، إلي فيها الأزعر بينضربلو سلام وحساب، والاَدمي بينبزق عليه وبيندعس عا رقبتو !

الله يلعن هالحالة يلي وصلناها، إلي فيها صار الايمان بـ الله ما بكون الا بالعدّ وبالحسابات وبالتزعبر، ويلي بصلّي بقلبو بصير كافر، ما المفترض يكون الله اذكى من انو ينضحك عليه!!

14/3/2013



في إطار خطاب الأولويات



في لبنان، كنا كلما نادينا بمطلب ما يصب في بناء الدولة المدنية في لبنان، يظهر من يستمهلنا قليلاً ليقول لنا : "لحظة، قبل أن تُكملوا... إلى أي برنامج أولويات وطنية تنمتمون؟"، ويضيف: "هل أنتم مع المقاومة أم ضدها؟" .. أو "هل أنتم مع المحكمة الدولية للنظر في جرائم الاغتيال التي حصلت في لبنان أم ضدها؟"، كي يسمح لنا بمتابعة الحديث معه، لأن منطقه العام يقول أنّ إحدى هاتين الأولويتين هما الأساس، ولا دولة مدنيّة إذا لم نأخذ موقفاً فيهما .. مع أو ضد !

واليوم، بكل بساطة، كلما ننادي بمطلب ما يصب في بناء الدولة المدنية في لبنان، يظهر من يستمهلنا أيضاً قليلاً ليقول لنا : "لحظة، قبل أن تُكملوا... إلى أي برنامج أولويات وطنية تنمتمون؟"، ويضيف: "هل أنتم مع الربيع العربي أو لا؟" .. أو "هل أنتم مع دول الممانعة أم ضدها؟"، كي يسمح لنا بمتابعة الحديث معه !

البارحة واليوم ... النتيجة نفسها: الدولة المدنية في لبنان غائبة ، بل متقهقرة، وتستمر في التقهقر يوماً بعد يوم أمام تجاذب أولوياتهم !

لجميع من استوقفنا في الكلام سابقاً واليوم، لا بدّ أن نقول اليوم، وبصوت عالٍ: نحن نشعرُ بحالة قرف من استمهالاتكم المُتكررة لنا ومن محاولاتكم دجّنا في معارككم، ... ومن اليوم وصاعداً لن نجيبكم على أسئلتكم، بل سنبقى نجاهرُ بأولوية بناء الدولة المدنية لأنه همنا الأول وسنبقى نسعى بما أوتينا من إرادة وقوة للمطالبة:

- بانتهاج سياسة القضايا والمشاريع التطويرية في لبنان بعيداً عن سياسة الأشخاص وعن التلاسن المستمر بين سياسيينا وبعيداً عن الخطابات الطائفية المُطالِبة.

- بإقرار قانون ضمان صحي شامل في لبنان.

- بتفعيل برنامج التربية على المواطنية في المدارس ودمج مواد التعليم الديني في مادة تعلِّم الحضارات الدينية والفكرية.

- بالاعتراف بالزواج مدني في لبنان وباستحداث قانون مدني للاحوال الشخصية.

- بإقرار بقانون انتخابات غير طائفي على صعيد دوائر كبرى وعلى أساس نظام نسبي ولوائح مقفلة.

- بتأمين مشاريع إسكانية للشباب اللبناني وبتخفيض أسعار الشقق السكنية في لبنان.

رغم مناكفاتكم ودوشة صراخكم وشتائمكم المتبادلة التي تعودتم إطلاقها باسم "مصلحة الوطن ومؤسساته والمواطن وهويته"، نستوقفكم الكلام لنقول: "لحظة، ... نحن أيضاً لنا أولويتنا!!".

باسل عبدالله

16/2/2013
                                        


تخيلوا معي لبنان


تخيلوا معي أن الولايات المتحدة الأميركية في العام 2013 ستنهمك أكثر فأكثر بتداعيات أزمتها الاقتصادية، ولن تغدق على أي طرف حليف لها في لبنان أية مساعدات!


وتخيلوا أن دول أيران والمملكة السعودية وقطر في العام 2013 ستتفرغ لمشاغل داخلية تحتاج صرف الأموال بشكل كبير، مما سيمنعها من الإلتفات إلى مواليها في لبنان بأيّة مساعدة ماديّة، أو ستضطر لصرف أموال في مكان آخر غير لبنان!


وتخيلوا أيضاً أن دولاً أخرى خليجية وأقليميّة وأوروبيّة وعالميّة في العام 2013 ستتوقف عن إمداد فصائل لبنانية بالدعم المادي بسبب مشاكل إقتصاديّة ستتفاقم في العالم أو بسبب ظروف خاصة بكل منها!


وتخيلوا أيضاً أن دولاً أخرى جديدة لن تحضر أو تـُستَحضَر على الساحة اللبنانية لتحل محل الدول الآنفة الذكر في الدعم المادي لتيارات لبنانية هنا وهناك!


ثمّ تخيلوا لبنان!


وبالذات، تخيلوا أن جميع الأحزاب والحركات اللبنانية أصبحت بدون مصادر خارجية للتمويل... فلا دعمٌ مادِي ولا من يحزنون! ... وبالتالي، لا تقديمات مادية من هذه القوى لمُحازبيها ومُناصريها وجماهيرها، ولا تأمين مساعدات فرديّة أو جماعيّة بأساليب متنوعة لهؤلاء.

وتخيلوا الخلل الذي سيحدث في واقع الفرد "اللامواطن" في بلدنا، حيث العشيرة أو الفريق السياسي هو الحامي والراعي!

وتخيلوا هذا الفرد اللبناني كيف سيُعيد النظر إلى واقعه بعد وقف الدعم، وكيف سيُعيد التفكير بما هو عليه من حالة سيئة معيشية مخيفة ومن انتفاء لتأمين صحي جدّي ومن مستقبل مُقفل الآفاق في بلد تتناتشه السياسة الإقليمية والدولية، وفي بلد الفساد والـ"الهوبرة" والتحريض الطائفي والاصطفاف على أولويات لا تمت إلى مشاكله الحياتية ومُستقبله بصلة.

وتخيلوا أنّ الفرد المُطيّف سياسياً - كلٌ في مجموعته - سيشعر بأنّ ما كان يعوّض عليه أو يغطي جزءاً من حقوقه التي على الدولة أن تؤمنها له (أي المساعدات الفئوية المادية والتغطية الصحية)، لم تعد بمتناول اليد بل أصبحت في خبر كان!

وتخيلوا بنتيجة كل ذلك، كيف ستتفاقم الأمور، عندما يكتشف الفرد اللبناني أنه محروم من أبسط حقوقه، وكيف سيبدأ التحرك من أجل استرداد حقوقه من دولته، ومن أجل تأمين لقمة عيشه بطريقة بدائية عفويّة ثم بتكتلات منظمة!

وتخيلوا المشهد: رفض للواقع وثورة على المتمسكين بأمر الناس والمتلاعبين بحقوق المواطن .

وقدِّروا معي:

- اعتصامات ومظاهرات نقابية ومعيشية وحقوقية تبدأ من المناطق الفقيرة جداً في مختلف محافظات لبنان، وتأخذ في مُستهلّها طابعاً مناطقياً وطائفياً ثمّ تتحول إلى حراك واحد يضم كثيراً من الناس من مختلف الانتماءات والمناطق، ويتحول الفرد مع تطورها إلى مواطن يتشارك مع جميع المواطنين الهموم نفسها.

- اختفاء صور كانت مرفوعة لزعماء عرب وغير عرب من الطرقات والساحات، مرّة بعد مرّة مع مرور مُظاهرة هنا أو مسيرة من هناك.

- اختفاء هتافات التأييد لزعماء لبنانيين وقادة إقليميين، وظهور شعارات جديدة مطلبية.

- أفول أعلام حزبية قديمة وظهور أعلام جديدة يُرسَم عليها رغيفُ خبزٍ أو إبريق ماء أو قنديل أو.. أو...

- تحوُّل الخطابات على يد القياديين الجدد في الشارع مِن: "أنا موالي للدولة الفلانية لأنها .... " إلى: "أنا أريد حقوقي من دولتي لأنني ...".

وتخيلوا أن يشارك المفكرون والفنانون والنقابيون وغيرهم، جميعاً، يداً بيد، ويُسَخّورن ما لديهم لمصلحة التحركات المطلبية.

وتخيلوا أيضاً أنّ هذه المظاهرات، يوماً بعد يوم، ستعُمّ المناطق اللبنانية، ثمّ كل أرجاء الوطن.

وتخيلوا كيف أنّ الزعماء في لبنان سيشعرون بالقلق!! ثم سيُهرِّبون ما تبقى من أموالهم في المصارف اللبنانية إلى الخارج! ومن بعدها يُباشرون بدورهم بالمغادرة كلٌ إلى دولته الراعية... واحداً تلوَ الآخر!

أوففففففففففففف!!!!!

وتخيلوا أنّ القرار سيصبح بيد الشارع، بعد إضرابات عامة كبيرة، وأنّ قيادات الثورة ستطالب بإصلاحات عامة أساسية. وسيساهم الجميع في إطلاق مؤتمر تأسيسي للجمهورية اللبنانية الثالثة.

ثمّ تـُقرّ التعديلات على الدستور بعد أن يُصوَّت عليها في استفتاء شعبي.

وتخيلوا أن تعاد صياغة مقدمة الدستور الجديد بإضافة مُقدمة ثانية تقول:

1- تتعهد السلطة اللبنانية خلال عام من المؤتمر التأسيسي بوضع نظام ضمان صحي شامل لجميع اللبنانيين.

2- تتعهد السلطة اللبنانية خلال ثلاثة أعوام بتخصيص أراضي من أملاكها وأملاك البلديات والمؤسسات الدينية في جميع الأقضية لتشييد مُجمّعات سكنية للشباب اللبناني، على أن يدفع الشباب كلفة بناء المسكن فقط.

3- تتعهد السلطة اللبنانية خلال مهلة ثلاثة أشهر بتنظيم انتخابات نيابية على صعيد لبنان دائرة واحدة بقانون نسبي وبنظام لوائح مقفلة.

4- تتعهد السلطة اللبنانية خلال مهلة سبعة أعوام بتشييد مصانع في جميع المحافظات اللبنانية وتشجيع المبادرات الخاصة في هذا السبيل وعدم تكرار شعار "لبنان دولة سياحية والسلام عليكم".

5- تتعهد السلطة اللبنانية خلال مهلة عام بتشكيل لجنة قانونية لإصلاح القوانين التي تساهم في التمييز بين اللبنانيين.

تخيلوا معي وتخيلوا ...

وما أجمل أن تتحول تخيلاتنا إلى حقيقة.

وما أجمل أن يُعيد الشعب اللبناني تنظيم وبناء وطنٍ كان الفسادُ قد تآكلَ مؤسساته، ونخرَت أسسه المحسُوبية والتحريض على مواقف لا تمت إلى شؤون المواطن الحياتيّة بصلة!

وما أجمل أن يتوحد الشعب على الدفاع عن حقوق الشعب!

وما أجمل أن يثور الناس من أجل لقمة عيش الناس!

وما أجمل وأحوج لبنان والفرد "المواطن اللبناني" في هذه الظروف المريرة إلى أن يتخيّل ويتخيل كي يتمكن من الاستمرار في بعث جُرعة جديدة من الأمل له ولرفاقه ولأولاده !!

باسل عبدالله

12/12/2012



نشرة تواصل مدني- إفتتاحيّة العدد 6 تاريخ 12/2012




لأننا لا زلنا في لبنان نبحث عن هويّة المُواطنة الضائعة بين توصيفات الفرقاء السياسيين المُختلفين والمُصطفِّين كلٌ على جبهته الداخلية المتقاطعة دوماً مع جبهات إقليمية أو دوليّة،

ولأننا رفعنا شعار بناء الدولة المدنيّة العادلة ومجتمع الإنسان، كل إنسان، وكل الإنسان، وبادرنا إلى خوض تجربتنا التطويرية لمجتمعنا منذ أكثر من عشر سنوات من خلال مجموعة من البرامج والمشاريع والنشاطات على الصعد القانونية والتربوية والصحيّة والتثقيفية،

ولأننا نؤمن بحرية الإنسان في التفكير والتعبير والإيمان وتطوير وعيه الاجتماعي والسياسي والروحي، على طريق تطوير الوعي العام لمجتمعه،
ولأننا لا زلنا نؤمن بالعمل التطوعي والمجاني كمدخل يحمي ويُحافظ على صدق رسالتنا ووضوح مَسيرتنا العَلمانيّة اللاعنفيّة،
يُتابع اليوم منبر "تواصل مدني" التزامه بنشر ثقافة التعبير بالكلمة، ويفتح الباب مُجدداً للشباب لعرض همومه وحاجاته، والتعبير عن رأيه.

على أمل أن نشجع، بالكلمة وبعملنا الميداني الشباب المنكفئ ليُجدد نشاطه وينخرط مُجدداً في المشاريع والنشاطات والتحركات المَطلبيّة والحقوقية التغييريّة.

***  
                                            

إلى الشباب اللبناني اللاطائفي
 To the non-sectarian Lebanese youth

رغم جميع ما يُثقل كاهل الشباب من هموم حياتية ومعيشية وسياسية ونفسية، خاصة وعامة،

ورغم اضطرار الشباب اللبناني من العائلات المتواضعة والفقيرة إلى إعطاء أولوية وقتهم لصالح التزاماتهم العائلية ودروسهم ووظائفهم،

ورغم حالة القرف واليأس من الواقع السياسي اللبناني، التي نحاول الهروب منها كل يوم، لكنها تلاحقنا في حياتنا الاجتماعية بين الناس وفي نشرات الأخبار والبرامج السياسية المفروضة علينا على مدار الساعة،

ورغم الاستهزاء الذي يصدر كل يوم وتتردد أصداؤه على مسامعنا من الأقارب والأصدقاء وأفراد هذا المجتمع، بأنّ ما نقوم به من نشاطات لا طائفية ومطالبات معيشية هو مضيعة للوقت ولن يفيد شيئاً في سعينا لتغيير واقعنا السياسي والاجتماعي الطائفي والمعيشي المُتردي على المدى القريب أو البعيد،

ورغم علم هؤلاء بمكمن الخلل، باعلانهم الدائم بأنّ الزعماء هم هم باقون، والسياسات هي هي باقية، والاصطفاف هو هو مُستمر ومُسيطر على أذهان الناس،

فهم بدل من أن يشجعوننا على ما نقوم به، نجدهم ينصحوننا بأنّ علينا أن نبحث عن المال والمال فقط في لبنان أو خارجه، لكي نتمكن من بناء مستقبل لنا في بلدنا، وأننا في حال رغبنا في متابعة انخراطنا في حركات أو جمعيات لا طائفية، فعلينا عندها أن نطالب بمقابل مادي لجهودنا، أو نحصل على التمويل والتمويل فقط لتنفيذ مشاريعنا من أي جهة اقليمية أو دولية، أو من أيٍ كان... مثلنا بذلك مثل غيرنا!  

***

رغم كل هذا الضغط الفكري والنفسي،

ورغم أننا ندرك أنّ عملنا التطوعي المجاني قد لا ينتج في القريب العاجل ولو جزءاً من آمالنا وتطلعاتنا على الصعيد السياسي والاجتماعي،

ولأننا نتردد، فنتوقف لدقائق ونفكر ملياً بجميع ما يرددوه على مسامعنا،

ولأننا عقلانيون، نفكر بكل ما يُطرح علينا،

نجد بوصلتنا تضيع للحظات، ونتنفس نفساً عميقاً ضروياً، نسترجع بعده من ذاكرتنا، تاريخ التقاتل والحروب على أرضنا وتاريخ الفساد المُطيّف في وطننا.

عندها تعود البوصلة إلى اتجاهها الأول الصحيح، فنستعيد ثقتنا بعملنا الانساني خارج المصالح، نحو المبادئ والقيم التي بدأنا لأجلها عملنا التطوعي بهدف بناء الدولة المدنية العلمانية.

ونتأكد مُجدداً أنّ نزاهتنا أنبل من المصالح التي يجب أن نهرول وراءها،

ونؤكد مجدداً أننا لا نسمح لأحد بأن يحارجنا بها أو يساومنا عليها.

وننطلق في مسيرتنا من جديد، بشجاعة أكبر وإرادة مَتينة ومُضاعفة، .. وبالقدر التطوعي الممكن ضمن الظروف الاجتماعية التي نعيشها،

ننطلق خارج ما يفرضونه من اقتراحات على مسامعنا.

ونتابع الطريق.

***

إلى الشباب اللبناني، الذي يعاني من جميع هذه الضغوط، وبدأ يشعر بأنه ينحاز لما تتضمنه بطريقة غير مباشرة، أو يشعر في ظل غياب البديل عن الواقع السياسي الحالي بأنه يظهر بنظر مَن حوله ساذجاً أو بسيطاً أو مأخوذاً بالأحلام لأنه متطوع بأهداف سامية خيالية بالنسبة للكثيرين:

دعوة إلى لحظة مُراجعة، وإلى نفس عميق، ثم تجديد انطلاقة، ومتابعة انخراط في العمل التطوعي المجاني، ولو ضمن الامكانيات المتواضعة والوقت المحدود الممكن.  

هي دعوة إلى متابعة المُراكمة في مسيرة الشباب اللاطائفي الناشط،

هي دعوة للتكاتف خارج التسييسات والاصطفافات،

فالنضال الحقيقي لا يبدأ إلا من الصفر، والمناضل الحقيقي لا ينتظر الظروف والامكانيات ليبدأ نضاله.

وإذا كان هنالك من أمل في التغيير في لبنان، فلن يُبنى إلا على الشباب المُتطوع الذي لا يسعى لمُقابل لقاء نضاله، ولا ينحاز بتحريض طائفي، ولا يتمترس على أولويات غير أولويات الناس المعيشية والحقوقية.

على هؤلاء يُبنى الأمل في المستقبل باختراق الواقع الطائفي وتغيير الواقع المعيشي المُتردّي وبناء الدولة المدنية..  ومعها بناء الفرد المواطن في المجتمع.

باسل عبدالله

4/11/2012



نحو بناء حالة سياسية مدنية جديدة
Forward to build a new civilian political status

بعد سنوات من نهاية الحرب الأهلية في لبنان، وتحديداً مع بداية العام 2000، شهدت الساحة اللبنانية نمو مجموعة من الحركات والجمعيات واللقاءات ذات الخلفية اللاطائفية والأبعاد المدنية والعلمانية، حاولت تنظيم نشاطات تثقيفية واقتراح مشاريع تساهم في بناء الدولة المدنية.

تنوعت هذه المجموعات الناشطة بين سياسية واجتماعية وثقافية، فساهمت في بث قيم المواطنية ومفاهيم الحريّة وحقوق الإنسان بين أفراد المجتمع وخاصة الفئات الشابة منه.

ومع الأحداث السياسية المُتلاحقة منذ استشهاد الرئيس رفيق الحريري في العام 2004 وظهور الانقسام العامودي الحاد بين اللبنانيين من خلال اصطفاف 8 و 14 آذار، والمواجهة الحادّة التي أخذت في كثير من الأحيان طابعاً طائفياً، وأدّت على الأرض إلى مواجهات دمويّة مُسلّحة تحت غطاء ودعم خارجي، حاولت هذه الحركات العَلمانية واللاطائفية المُتواضعة بإمكانياتها الماديّة (لا نقصد الجمعيات ذات التمويل الأجنبي) إبقاء حيّز من الحيويّة لنشاطاتها، وتشكيل فسحة سياسية وثقافية أولويّتها بناء الدولة المدنية العلمانية وتحسين الوضع الاجتماعي المعيشي للمواطن اللبناني، غير أنها لم تتمكن من الظهور بالشكل المطلوب وإيصال صوتها إلى أكبر عدد من الناس، وساهم في ذلك الاصطفاف الاعلامي المُسَيّس تبعاً لتبعية الوسائل الإعلاميّة. فظل الشباب اللاطائفي، رغم نضاله لا يستطيع تشكيل رأي واضح بأولويته التي يناضل عليها، ألا وهي "أولويّة بناء الدولة المدنيّة العلمانيّة"، وظلّ متأثّراً بشكل مباشر أو غير مباشر باصطفاف 8 و 14 آذار، وينحاز عند ارتفاع سقف الخطاب التحريضي، إلى أحد هاتين الحركتين.

حاولت المجموعات اللاطائفية والعلمانية العودة من جديد إلى الظهور في العام 2005 و 2006 من خلال سلسلة نشاطات في الجامعات وبعض النشاطات الكبيرة الجامعة ومنها مؤتمر العلمانيين في أيار 2006، غير أنّ عدوان تموز الاسرائيلي على لبنان، جعل هذه المجموعات ترتدي عباءة الحركات الإغاثية فتحولت مراكزها إلى مستودعات لتوزيع المساعدات واستقبال العائلات المُهجّرة وانبرى شبابها للمشاركة في العمل التطوعي في المدارس التي أوت النازحين من جنوب لبنان وفي توزيع المساعدات والوجبات الغذائية في المناطق.

مع استقرار مستوى الخطاب السياسي في العام 2009، عاد نشاط هذه المجموعات للظهور بِقوة أكبر وخبرة أرفع، لتحاول إعادة التمركز وإعادة خلق مساحة مُتجدّدة لها على الساحة اللبنانية وحالة سياسية نوعيّة مختلفة عن الواقع السياسي الموجود، وقد ساعد في هذا الأمر تدنّي ثقة عامة اللبنانيين، وتحديداً فئة الشباب منهم بفريقي 8 و 14 آذار، وحالة الاستياء والقرف التي بدأت تظهر بشكل أكبر بين الناس. فانعقدت عدة لقاءات جامعة لهذه المجموعات كاللقاء العلماني في العام 2010، الذي ظهر بعد مسيرة العلمانيين. وتـُوِّجَت هذه الفترة بظهور حراك إسقاط النظام الطائفي في العام 2011 ومظاهراته خارج اصطفاف 8 و 14 آذار، على خلفية الثورات العربية وعلى خلفية النقمة الشبابية الداخلية ضد الواقع الحياتي "المعيشي والطائفي" المُتردّي في لبنان، وعلى خلفية رغبة عامة بظهور بديل يسمح للشباب بالخروج من بوتقة هذا الاصطفاف.

وقد نجح حراك اسقاط النظام الطائفي في وضع الأسس لمستقبل تحركات هذه المجموعات وهي:

1- تأكيد إمكانية حشد مجموعة كبيرة من الشباب اللبناني اللاطائفي والعلماني على خطاب واحد.

2- خلق خطاب مُوحّد عنوانه بناء الدولة المدنية العادلة بسلتين: الأولى اصلاحية مدنية بمواجهة النظام الطائفي، والثانية معيشيّة.

3- تدعيم فكرة بناء حالة سياسية بديلة للشباب اللبناني عملها واضح وشعاراتها مُتحرّرة من اصطفاف 8 و 14 آذار.

ورغم توقف هذه المظاهرات مع صيف العام 2011، إلا أنّ فعلها المُتراكم في الإطار العام لعمل هذه المجموعات الشبابية قد أدّى واجبه المطلوب، ورفع بهم خطوة متقدمة في إطار عملهم على الأرض.

لا شك في أنّ العام 2012 يحمل وضوحاً أكبر في الرؤية عند الشباب اللاطائفي والعلماني، ويتضمن تحديداً أكبر في خطابهم على "أولويتهم الأساسية: أولية بناء الدولة المدنيّة" بغض النظر عن مواقفهم من مواضيعَ ذات أولويّة يحملها اصطفاف 8 و 14 آذار من دعم للمقاومة أو دعم للمَحكمة الدولية أو اصطفاف في محاور اقليمية أو دولية.

هؤلاء الشباب يتمسكون اليوم بأولويتهم هذه، ويرغبون في العمل عليها، بغض النظر عن المواقف من المواضيع المحورية السياسية المطروحة والتي قد يكون لهم مواقف منها، لأنهم أصبحوا أكثر ثقة بالأولوية التي تبنوها والتي- بنظرهم- تخدم وطنهم ومواطنيتهم خير خدمة وتعبّر عن قناعتهم وثقتهم بأن ما يعملون له من شأنه أن يخدم، على المدى البعيد، السلم الأهلي والمقاومة والقضاء النزيه. فهم ليسوا بالضرورة ضد بعض شعارات تطلق في الاصطفاف، لكنهم بالتأكيد ضد الاصطفاف السياسي والذي يعتمد على التحريض والشتائم وينتج عنه الاقتتال والحواجز الطائفية ! والذي كفر به اللبنانيون في السر والعلن، وفقدوا ثقتهم به.

عند كل حادث كبير جديد، نلتمس وعي الشباب من أنّ هذا التحرك السياسي المدني اللاطائفي لن يتراجع كما كان يحدث في السابق، بل تمتّن أكثر، وهو عند كل حادث لبناني أو إقليمي يتطور ويظهر بشكل أكبر ليتابع بناء الحالة السياسية الخارقة للنظام الطائفي ولواقع فرضته قوى داخلية وخارجية على اللبنانيين !

باسل عبدالله

24/10/2012 


إيران... خطوة تربوية إلى الوراء!

! Iran ... an Educational step backwards

 في ظل واقعِ الحكم الإيراني المُستمر منذ انطلاق الجمهورية الإسلامية مع ثورة العام 1978، والمُتابعون من الخارج لِمَسار الحكم هناك، من مفكرين وسياسيين، ينقسمُون إلى فئتين، أولى داعمة للحكم وثانية منتقدة له.

فالفئة لأولى تعتبر أنّ إيران انتقلت مع الثورة من الحكم الديكتاتوري إلى حكم النظام الاسلامي الديمقراطي، وتدافع هذه الفئة عن ديمقراطية النظام بأمثلة أهمها وُصول السيد محمد خاتمي المُعارض في العام 1997 إلى سدّة الرئاسة، والذي تعتبره بالنسبة لها دليلاً قاطعاً على وجود ديمقراطية لا لبس فيها في إيران، كما تدعم هذه الفئة النظام الإيراني على خلفية دوره وسياسته الداعمة لخط المواجهة الذي رسمته الجمهورية الاسلامية لنفسها بعد الثورة كعدوة أولى لإسرائيل- الكيان الغاصب لفلسطين.

بينما تعتبر فئة ثانية أنّ الثورة انطلقت في ايران في العام 1978 بتكاتف مُختلف شرائح المجتمع الايراني الرافض للحكم الديكتاتوري، ثم تحولت بعدها إلى حكم آحادي فرضه الاسلاميون بعد إقصاء القوى العلمانية الحيّة عن الحكم، وتَعتبِر هذه الفئة أن الجمهورية الإيرانية هي جمهورية برأسين، رأس ديني مُتمثل بحكم المرشد العام للجمهورية الاسلامية والذي تناط به مسؤولية الاشراف على السياسات العامة في الدولة كما يتولى قيادة القوات المسلحة والاستخبارت، ورأس مدني (ذو صلاحيات محدودة) مُتمثل برئيس الجمهورية والحكومة، وبناءً على ذلك، تستنتج هذه الفئة بأن الديمقراطية في إيران ليست ديمقراطية حقيقية.

اليوم، يطفوا على السطح في إيران مشهدٌ جديد يستأهل البحث والتحليل، يتمثل بقرار الدولة منع النساء من الدراسة في حوالي 80 اختصاصاً جامعياً، وقد بدأ تطبيق هذا القرار اليوم، وأعلنت 36 جامعة إيرانية أنها لن تقبل الطالبات في العام الدراسي المقبل. ومن ناحيتها أعلنت منظمات نسائية إيرانية أن القرار سيخفض نسبة الطالبات في الجامعات الإيرانية بواقع 65 بالمئة.

وقد  زاد من التوتر ما جرى تداوله بأن أحد أهداف المنع هو تمادي النشاط النسائي السياسي المُعارض لنظام الحكم في الجامعات، فضلاً عن المعلومات في هذا الصدد التي أشارت إلى أن القرار الإيراني الجديد جاء بسبب ضغوطٍ من رجال دينٍ إيرانيين.

لا بد من الذكر هنا أن إيران هي من أولى الدول في الشرق الأوسط التي سمحت للنساء بالالتحاق بالجامعات.

لا شك في أنّ هذه الخطوة تعتبر – على الصعيد التربوي والثقافي والسياسي –  خطوة كبيرة إلى الوراء، لا يمكن لأحد الدفاع عنها بأي شكل من الأشكال، لأنها بمنظور كل مدافع عن الحريات وحقوق الانسان، خطوة تُعمّق التمييز بين المرأة والرجل.

كما من شأن هذه الخطوة أن تزيد من الفرز السياسي الموجود في إيران بين الاسلاميين والمعارضة، وربما تشكل – في مكان ما – مُنعطفاً خطراً وحاسماً على طريق المواجهة بين التيارين السياسيين الكبيرين في إيران وفي الصراع المشتعل على السلطة.

من الواضح، وللأسف، أن امكانية اندلاع اعتراضات شعبية داخل إيران بسبب هذا القرار، قد يفرض نفسه بقوة – ليس داخل ايران فحسب – بل أيضاً على الساحة الإقليمية والشرق أوسطية المتأزمة أصلاً، التي ما عادت تحتمل توترات إضافية، والتي عاد فيها بركانها لينفجر مُطلقاً حممه المُلتهبة يميناً ويساراً بمشهدٍ يمكن متابعة بدايته، لكن من المستحيل تقدير نهايته أو هول نتائجه!

باسل عبدالله

22/9/2012


في ضوء التحركات الشعبية الغير موجهة سياسياً
In the light of unpoliticaley directed public movements


إعتصام العمال المياومين في شركة كهرباء لبنان- إعتصام أهالي المخطوفين في سوريا- الإحتجاجات على انقطاع الكهرباء- اللقاءات الرافضة لمشروع قانون الإيجارات الجديد. جميعها تحركات شعبيّة غير مُوجّهة من الزعامات والأحزاب المُهيمنة على المشهد الداخلي اللبناني، بدأت ترمي بثقلها على الساحة اللبنانية منذ شهرين ونيّف.

***

وإن كان أحد هذه التحركات أي إعتصام أهالي المخطوفين اللبنانيين في سوريا (الإعتصام الإنساني)، قد استُهِلّ تحت راية حزب مُعيّن، غير أنّ امتداده مع تفاقم المشكلة وانعدام المعلومات المتوفرة عن المخطوفين، أخرج أهالي هؤلاء عن صمتهم المُوجّه، لينتقلوا إلى مرحلة المبادرات غير المحسوبة حزبياً وأكبرها إعتصام 18/6/2012 على طريق المطار، الذي ظهر فيه الخلاف الواضح بين مُنظميه من أهالي المخطوفين وبين الحزب الذي انطلقوا بتحركاتهم تحت رايته، فمُنع مُرور أحد المسؤولين المتوجه إلى المطار (والذي قيل بأنه ينتمي إلى هذا الحزب)، كما جرى في هذا الاعتصام الاعتداء على مراسل القناة التابعة للحزب نفسه.
ورغم استنكارنا للإعتداء على أي صحافي، غير أن حادثَي هذا الاعتصام أعادا إلى التحرك وجهه الشعبي الغير مُسيّر أو مُستوعب من قبل أي تنظيم سياسي.

***

أما إعتصام العمال المُياومين في شركة كهرباء لبنان، فقد شكّل مُفاجأة سارة لكل من اعتبر أنّ العمل النقابي الحر تشتت (كي لا نقول أُعدِم) بعد اكتمال مُصادرة القوى الطائفية له في آخر عشرين سنة من عمر الوطن، وبعد تفاقم حدّة الانقسام السياسي بين اصطفافي 8  و 14 آذار.
أعاد اعتصام العمال المياومين الروح إلى الجسد النقابي المريض، كما شكّل أيضاً بمكان ما، انتفاضة غير مُباشرة على التبعيّة العمياء للفريق السياسي أو الزعيم أو الحزب، وأعاد أيضاً البوصلة إلى مكانها الصحيح أي مصلحة العامل والأجير.

***

لا ننسى أيضاً الاحتجاجات الشعبية على انقطاع الكهرباء التي بدأت تنتشر أكثر فأكثر على الأراضي اللبنانية، وبدأت تتجاوز اللون الواحد والتصنيف السياسي الفئوي.

***

إضافة إلى هذه التحركات، تظهر ملامح تحرك رابع اجتماعي طارئ، ربما يُـكمل مسيرة تحرر الناس من تسييس قضاياهم، هويته هذه المرّة اجتماعية بحتة، وذلك في مسألة تطال استمرار إقامة عشرات آلاف العائلات اللبنانية من الفقراء وذوي الدخل المحدود في منازلهم، ألا وهو مشروع قانون الإيجارات الجديد.
وإذا كانت اللقاءات الرافضة لمشروع قانون الإيجارات الجديد ما زالت خجولة بعض الشيء، إلا أنّ صداها سينتشر مع اقتراب الخطوات التشريعية والتنفيذية للمشروع الجديد، ولربما شكلّ هذا التحرك بيضة القبان لانطلاق صرخة مُدوّية جديدة خارج ارتهان أي طرف من الجهات السياسية الطائفية ذات النفوذ الغالب في المجتمع اللبناني!

***

ربما كان ما نشهده بصيص نور نحتاجه لنبني عليه الأمل بانتصار ولاء المواطن لهمه المعيشي والصحي والسكني على حساب ولائه لانتمائه وتبعيته الطائفية والسياسية...
أو ربما لا يكون الأمر كذلك، وتكون هذه الانتفاضات مُفرقعات صوتيّة غير قادرة حتى الآن على توليد نفسها وبناء التغيير المنتظر...
لكننا نبقى طبعاً مُتمسكين بالأمل، كما تمسكنا به في الفرص السابقة وفي حراك اسقاط النظام الطائفي السنة الفائتة، ونبقى لا نجد حلاً سوى دعم هذه التحركات بالتعبير برفع الصوت إلى جانب هؤلاء، أو بمُؤازرتهم على الأرض.
نبقى لا نجد حلاً سوى دعم مطالبهم المُحقّة غير الفئوية وغير التابعة لسياسات مصلحيّة بأبعاد داخلية أو خارجية. على أمل أن نتشارك جميعاً في لم شمل مسيرة بناء الفرد المواطن في المجتمع!
فلنتفاءل بالخير.

***

باسل عبدالله
18/6/2012 


بيان الدعوة لمسيرة النسبية في 13 أيار 

إبتدعوا .. هندسوا .. صمّموا .. وصاغوا قوانين انتخابات على أشكال مُتنوّعة طوال عقود من الزمن! أخذوا بعين الاعتبار الألوان والقياسات والأحجام، وقدّموا للشعب اللبناني في كل مرّة، وعلى دفعات، بِدَعاً تنوّعت بتنوع اصطفافاتهم!

حَمَلَ المواطن همّهم وانشغل - رغم واقعه المُترَدِّي - بخلافاتهم، بدل أن يحملوا هُم عنه همومه الكثيرة، فيصيغوا له قوانين تحفظ حريته وتصون حقوقه وتُبعدهُ عن الطائفية وتُمتِّن شعور المواطنية لديه!

حاولوا أن يعالجوا الواقع بحُلولٍ موضعية ذات مُواصفات سياسية فئويّة ضيقة، فظلّ المواطن يدور في فلك كل منهم وفي دائرة مُفرغة عنوانها الترقيع، والترقيع فقط!

انتظرنا، على أمل أن تصبح اختياراتهم أكثر عِلميّة، فتأخذ بعين الاعتبار مصلحة الناخب "المواطن في الدولة"، لا الناخب صاحب المصلحة الفرديّة، فكان انتظارنا بغير جدوى!

نحن مجموعة من القوى المدنية والتقدمية، من المستقلين والناشطين وجمعيات المجتمع المدني ، جئنا اليوم لنطالب بضرورة اقرار نظام التمثيل النسبي ونرفض متابعة العبث بشؤون المواطن باقتراح مشاريع قوانين انتخابات ترقيعيّة.

جئنا نرفع الصوت لنؤكد أنّ قانون الانتخاب هو من أهم القوانين التي تساهم في تطوير أي مجتمع في العالم،  فهو المدخل الطبيعي للاصلاح السياسي، اذ انه يؤدي الى تحسين التمثيل الشعبي في الانتخابات العامة. فالشعب هو مصدر السلطات، ولن يكون مصدرا حقيقيا لهذه السلطات من دون آليات فاعلة تضمن له ذلك. فالسلطة التشريعية هي السلطة التي تنتخب رئيس للجمهورية وهي السلطة التي تمنح الثقة للحكومة وتراقب عملها وهي التي تقر الموازنة العامة، التي تختصر الخطة العامة للدولة، وهي السلطة التي تصدر القوانين والتشريعات. فالخلل في تكوين السلطة التشريعية يؤدي الى خلل في كل السلطات لاحقا، ما يؤدي الى خلل عام في البلاد، وهذا ما نشهده منذ عقود يجري في لبنان .

جئنا، ومن خارج البازارات السياسية، لنؤكد أنّ النظام النسبي مع لبنان دائرة واحدة خارج القيد الطائفي ومع إستحداث مجلس للشيوخ هو النظام الأفضل للبنان، وهو النظام الذي يحقق العدالة بين المواطنين اللبنانيين فلا يكون هناك تمييز بين لبناني واخر الا على صعيد الكفاءة والخبرة. ولكن، وللوصول الى هذا الطرح، نقترح مرحلياً إعتماد النظام النسبي مع دوائر متوسطة تشجّع الناخب على أن يختار ممثليه على أساس برامج وليس على أساس المصلحة الفردية الضيقة.

جئنا نؤكد أن النظام النسبي على عكس النظام الأكثري، لا يُلغي صوت أحد بل يمثّل صوت الناخب أفضل تمثيل. ويعطي ممثلي الشعب شرعية التمثيل الحقيقي ما يجعلهم اقوى وقادرين على تجاوز الصعوبات التي تواجههم اثناء قيامهم بواجبهم بشكل افضل.

جئنا لنؤكد أنّ سبب طرحنا للنظام النسبي هو إيماننا بعدالة هذا النظام وإيماننا بأهميّته على صعيد بناء المواطن الفعال الذي ينتخب البرنامج الذي يمثل توجهاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لا مصلحته الفردية/الزبائنية. نريد نظاما يمكننا من انتقاء ممثلينا ويمكننا من محاسبتهم على الدور الذي قاموا به وعلى احترامهم للتفويض الذي حصلوا عليه من المواطنين الذين انتخبوهم.

نحن مجموعة من المواطنين والمواطنات والجمعيات والحركات المدنية، نرى من واجبنا الدفاع عن مواطنيتنا والمطالبة بعدالة التمثيل خارج المزايدات الطائفية والاصطفافات السياسية.

نلتقي لنؤكد أننا نريد قانونا انتخابيا عصريا:

- يَحترم حقوق المواطن السياسي

- يَمنح الشباب اللبناني بمن هم بين ال 18 وال 21  حق الاقتراع

- يضمن للمغترب اللبناني أمكانية تطبيق حقه في الاقتراع في مكان تواجده

- يَحترم أصحاب الحاجات الإضافية وحقهم بأن يقترعوا باستقلالية وكرامة

- يَضمن سرية الاقتراع

- يحدّ من سطوة المال الانتخابي

- يَمنح جميع المُرشحين مساحات متساوية في الاعلام.

- يُشجع المرأة على الترشح للإنتخابات

وعليه نطالب القوى السياسية بالعمل بجدية من اجل اقرار القانون الافضل ومن دون تسويف وتأجيل، فهُم على معرفة بميزات نظام التمثيل النسبي واننا على تمام اليقين انهم يفصّلون القانون على قياسهم الذي اصبح صغيرا جدا قياسا باحتياجات الوطن والمواطنين.

نحن نلتقي قبل انتهاء المهلة القانونية لتحديد قانون الانتخابات لعام 2013، لنطالب معاً بقانونٍ نسبيٍ عصري وباصلاحات انتخابية بمستوى طموحاتنا.

ولكل هذه الأسباب ندعوكم لمشاركتنا  في مسيرة الأحد  13 أيار عند الساعة 12 ظهراً من قرب وزارة الداخلية - الصنائع، مُرورا بالسراي الحكومي نحو البرلمان.

بيروت في 08/05/2012


تابع لحراك إسقاط النظام الطائفي في ضوء تظاهرتي يوم 4/3/2012

Related to the movement of overthrow the sectarianism system in the protest on 4/3/2012

في الوقت الذي كان يفترض بنا أن نكون مجموعة شباب مُتحد يريد إسقاط النظام الطائفي في لبنان، أخذتنا تنوعاتنا إلى اختلافات غير مبررة يتحمل أصحاب الخبرة بيننا، أكثر من غيره، مسؤوليتها ومسؤولية توزع الطاقة التي كنا نشكلها عند انعقاد هذا الحراك إلى مجموعات.
كان من المفترض بنا، برأيي، أن ننزل اليوم في 4/3/2012 إلى ساحة الشهداء بوجه المظاهرتين اللتين استباحتا الساحة، لنقول لا للطائفية ولا للتبعية للخارج، ونعم لإعطاء مشاكل المواطن الحياتية في وطنه الأولوية المطلقة، والتظاهر من أجلها.
عند مُشاهدتي لتغطية تظاهرتي اليوم، شعرت بأننا قصّرنا في عدم تواجدنا على هذه الساحة اليوم لنرفع شعار لا للتبعية ولا للطائفية، وكي نسمع صوتنا في اللحظة الصحيحة وفي المكان الصحيح بوجه أصوات "نعم للنظام السوري" أو "جيش محمد سوف يعود".
لسنا ضد الدين والأديان ولن نكون، بالعكس فالكثير منا مؤمن، لكن تصرفات بعض المتطرفين طائفياً في بلدنا جعل الكثير منا يدّعي الكفر- مع الاحترام للكافرين او اللاأدريين المقتنعين بذلك.
ولسنا ضد الثورات العربية كافة، رغم استغلال الثورات في أغلب هذه الدول.
ولسنا ضد المقاومة أو ضد أشخاص في لبنان أو خارجه، فطموحنا موضوعه وأولويته المواطن في لبنان وعملنا هدفه الاول تحصين المؤسسات والقوانين المدنية المُوحِدة بين الأفراد في المجتمع، لا التلهِّي أو التبعية أو الانشغال بالخارج.
كان علينا أن نرمي بخلافاتنا الداخلية كناشطين ضد الطائفية، لنكون هناك يداً واحدة نسمع صوتاً واحداً ضد الطائفية ومع العلمانية ذات الحياد الايجابي تجاه جميع الأديان.
أهم ما تعلمته من حراك إسقاط النظام الطائفي أنه علينا مهما حصل أن لا ننتقد بعضنا ولا نهاجم بعضنا ولو هُدّت السماء فوق رؤوسنا، لأن هذه هي إحدى نقاط ضعفنا، وفي حال كنا على خلاف عميق فلنتوخ المهاجمة والعناد وننتظر. وقد ساعدني في هذا الاستنتاج واقع وتاريخ النضال العلماني المُتشتت – ربما لأن العلماني الثائر على مجتمعه الطائفي والمُحارَب منه لا يقبل كالطائفي بأن يأخذ أحدٌ القرار عنه، وغالباً ما تنقصه الخبرة لاتخاذه، فيخطئ أحياناً في الاستنتاجات ويبني عليها ! وتساهم في تشوشه كل الضغوط النفسية والمعيشية التي تحيط به.
***
في وقت الذي كان الكثير من الشباب من أصحاب "القلوب الكبيرة" في آذار 2011 يحلمون بأن يسقط النظام الطائفي في لبنان بسرعة، كان تجذر الطائفية في النظام اللبناني يؤكد لنا أنّ ما يمكننا أن ننجزه من خلال حراك اسقاط الطائفي يختصر بإمكانية بناء حالة سياسية وقوة ضاغطة على الأرض تتوسع يوماً بعد يوم على مدى 5 سنوات أو أكثر لتفرض نفسها كحالة واقعية سياسية تهدف إلى بناء الدولة المدنية العلمانية وإصلاح القوانين التي تُميز بين الأفراد وتسعى ليتحول النظام التربوي إلى نظام يثقّف على المواطنية كما تضغط في المكان المناسب من أجل المطلب المناسب. كان من شأن هذه الحالة السياسية أن تستقطب المزيد من الناس من الطائفيين والمترددين والرافضين لاصطفافات 8 و 14 آذار.
في الوقت الذي كان يفترض فيه أن نكون في الساحة لتنشد لنا تانيا صالح أو غيرها من الفنانين المشاركين والداعمين للحراك، نشيد "نحن الشباب لنا الغد"، كان فضل شاكر تحت لواء حركة سلفية ينشد موطني موطني.
يفترض بالعلمانيين الناشطين أن يكونوا أصحاب حكمة ومنطق ووعي مضاعف عن غيرهم وأن لا ينجروا في ما أراده كثير من الطامحين إلى تقسيمنا وتشتيتنا، غير أننا ترددنا في امتحاننا الأول – وأؤكد مجدداً على مسؤولية الشباب العلمانيين أصحاب الخبرة في هذا الإطار- بغض النظر عن السّبّاق بينهم إلى تشتّتنا.
كنت أحرص على أن لا أعلق حتى الآن على تداعيات حراك إسقاط النظام الطائفي، غير أنّ فايز شكر والشيخ الأسير حرّضوني على أن أعلن أسفي لعدم تواجدنا وتعاضدنا اليوم لنرفع راية الدولة المدنية العلمانية – دولة حقنا الطبيعي كمواطنين في لبنان- بمواجهة الرايات التي رُفعت اليوم. على أمل أن يُحرضنا الشباب اللاطائفي في المستقبل القريب، وفي لحظات تاريخية مناسبة، على استئناف مسيرتنا باتجاه ما نصبوا إليه.
4/3/2012


النسبية والدولة المدنية

ترتفع في الساحة السياسية هذه الأيام الأصوات المُطالِبة بإقرار قانون انتخابات نسبي يخطو بلبنان خطوة مُتقدّمة نحو الحداثة. ولا شك أنّ المتتبع لتاريخ الانظمة الانتخابية التي طبقت في لبنان وما رافقها من تقلبات على صعيد حجم الدوائر وكيفية تقسيمها وتركيب بعضها أحياناً على قياس مصالح الطبقة السياسية الطائفية الممسكة بزمام الحكم، جعل من النظام الانتخابي الأكثري بمزاجيّة تقسيم دوائره عاملاً مُكرّساً للطائفية السياسية، بل مُساهماً في تأخيرنا أشواطاً كبيرة إلى الوراء!

ورغم أهميّة الإصلاحات الانتخابية التي نطالب بها كمجتمع مدني وهيئات ضاغطة، بدءاً بمطلب خفض سن الاقتراع مُروراً بمطالب تنظيم الانفاق والإعلام والإعلان الانتخابي وصولاً إلى تعزيز مشاركة المرأة ترشحاً في مجلس النواب، تبقى للنسبية ميزتها الخاصة التي تتعدى كونها إصلاحاً انتخابياً يضمن صحة التمثيل وعدالته (نيل مقاعد بحسب نسبة الأصوات)، لتلعب دوراً مُهماً خاصاً بواقع المجتمع اللبناني، بمساهمتها الثانية - ولو على مراحل متوسطة وطويلة الأمد - في بناء الدولة المدنية.

فالنظام النسبي مع دوائر كبيرة يُشكل رافعة أساسية في بناء الدولة المدنية وفي تعزيز انتماء الفرد لمواطنيته. وتترجم أهميّة هذا النظام في هذا الإطار على صعيدين:

- أوّل، يتعلّق بالمرشحين للنودة البرلمانية الذين يجدون أنفسهم في ظل إلزامية الترشح في لوائح أو قائمات، مُضطرين للتعاون مع مُرشحين آخرين داخل دوائرهم والتوافق على الجوامع المشتركة بينهم، ويتحمل هؤلاء بالتضامن مسؤولية اختيار الخطط والبرامج والسياسات الجامعة. فنظام الدوائر الكبرى ونظام انتخاب اللوائح يُجبر - بشكل أو بآخر - المرشح (ولو ما زال انتخابه يتم على أساس طائفي) أن يتعاون في إطار الدائرة الانتخابية الواحدة مع مُرشحين من مَشارب مختلفة لإنتاج لائحة تتضمن برنامجاً أكثر عَصريّة ومدنيّة.

- ثانٍ، يتعلّق بالناخبين الذين يدفعهم نظام اللوائح (أكانت مقفلة أو مفتوحة أو حرّة) إلى التوجه بإدلاء  أصواتهم  لمصلحة اللائحة صاحبة الخيارات التي تلبي الاصلاحات الأكثر إفادة لتطلعاتهم، وصاحبة البرنامج الأكثر فعالية في تطوير مجتمعهم. وبالتالي يستبدلون تدريجياً، بسبب طبيعة نظام اللوائح وكبر حجم الدوائر، اختيار النائب لعلاقتهم الشخصية به، باختيار اللائحة لبرنامجها. فيطغى التصويت للبرامج على التصويت للأشخاص، مما يضعف من حدة الزبائنية السياسية.

من هنا نجد النظام النسبي غير مجدي التطبيق في ظل دوائر صغيرة، فهو لا يمكن أن يلعب دوره لجهة صحة التمثيل وعدالته وتطوير المجتمع إلا باعتماد الدوائر الكبيرة أي نظام لبنان دائرة واحدة أو نظام المُحافظات، على ألا يتعدى عدد الدوائر فيها الست أو السبع كحد أقصى.

ولا شك أنه رغم أنّ خيار لبنان دائرة واحدة هو الخيار الأفضل نظرياً للنظام النسبي، غير أنّ اعتماد الخمس أو ست أو سبع دوائر (أي المحافظات) قد يلعب دوراً انتقالياً ومرحلياً مُجدٍ في ظل النقص الحالي في تشكل الأحزاب والتيارات السياسية اللاطائفية في بلدنا.

وإن كان بعض الباحثين يعتبر أن نتائج تطبيق النظام النسبي في الاستحقاقات الانتخابية الأولى قد يزيد من الانتخاب على أساس طائفي، غير أنّ هذه النتائج في حال وقوعها لن تكون سوى مرحلة انتقالية، مصيرها أن تتغيّر مع تطور وعي المواطنين وتصحيح دورهم كناخبين لبرامج ذات فائدة عامة، على حساب دورهم السابق. وبذلك نكون قد باشرنا بوضع المدماك الصحيح التربوي والحقوقي لبناء حس المواطنة الحقيقي في الانتماء للدولة.

إنّ تطبيق النظام النسبي على صعيد الدوائر الكبيرة يُعزز إنشاء الأحزاب الوطنية العابرة للطوائف، ويساهم في تعزيز مفهوم المواطنية لدى الأفراد، ويلعب بالتالي دوراً أساسياً لا ثانوياً في بناء الدولة المدنيّة.

* نشرت في نشرة عين الشباب وفي نشرة الحملة المدنية للإصلاح الانتخابي في العام 2011.


 

 


بين إنتمائهم للوطن وإنتمائنا للوطن

منذ تكريس ميثاق العام 1943 الإستقلالي حتى يومنا هذا، كانت ولا تزال بعض الزعامات المخضرمة والمتجددة على الساحة السياسية اللبنانية تتسابق في المزايدة على بعضها البعض بالوطنية وبالإنتماء للوطن وتحديداً في رفض أية هيمنة أو أي تدخل سياسي من أية دولة أجنبية في شؤون الوطن.


ورغم هذا، كنا نجد دائماً هذه الزعامات، بعد أن تتسابق جميعها في إطلاق المواقف السياسية التي تعتبرها وطنية، تنتقل إلى تبادل الإتهامات في ما بينها على تصنيف هذه المواقف، إلى حد نعت كل زعامة للأخرى بالعمالة أو التبعية لإحدى الدول الغريبة. فتختلط المفاهيم وتلتبس مضامين التوجهات الوطنية!

وبينما تُثني بعض الزعامات على موقف معين باعتباره، بنظرها "من أعلى درجات الوطنية"، ترفضه بعض الزعامات الأخرى معتبرة إياه "من أعلى درجات العمالة للخارج"!

وعندما يُطرح السؤال على هذه الزعامات حول المعايير التي استندت إليها كل منها لتمييز المواقف الوطنية من غير الوطنية، تكثر المعايير وتتناقض الإجابات بين زعامة وأخرى!

في خضم هذه البلبلة، يتشتت الأفراد في المجتمع وينقسمون في تعريفهم للوطنية وللعمالة بمقدار إنجذابهم الإرادي أو غير الإرادي لزعامتهم، بحكم تمثيل هذه الاخيرة للطائفة التي ولدوا في كنفها، فتشكل بالنسبة إليهم المرجعية الصالحة الوحيدة في التفكير والتوجيه، ويعتبرونها، من دون أي نقاش، المدافع الأول عن الإنتماء الوطني الصحيح.

ولكن، أي انتماءٍ هذا، في ظل ما تمارسه الجماعات الطائفية من:

أ- تبعيّة للخارج ودفاع عن نظام طائفي، رغم إصرار دائم في المجاهرة الإعلامية بالوطنية.

ب- تنشئة الفرد على ثقافة الفرز بين المواطنين، وتعبئة دورية له في مواجهة ما يتعارض ومصالح الجماعة الطائفية.

ج- إعطاء التحالفات الحزبية صيغة التحالف بين طائفة وطائفة، لا بين مواطنين متماثلين داخل الوطن.

يصعب على هذه الزعامات، بل لا تستطيع أن تؤمِّن لمناصريها ما تصوره لهم من وطنية وإستقلال، لأنها ببساطة لا تستطيع هي نفسها أن تقف موقف الحياد تجاه الدولة الداعمة لها في المنطقة أو أبعد من ذلك!

إنّ الشعور بالإنتماء للوطن لا يختصر بوجود ثقافة أو لغة واحدة لأبناء مجتمع ما على أرض معينة، إنما يستلزم أولاً، عدم التبعيّة من قبل الجماعات اللبنانية للقرار الخارجي وبالتالي التخلي عن الدعم الذي يوفره هذا الخارج لها، وثانياً، التوجه نحو نظام مدني يساوي بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، ويتبلور على أرض الواقع بأمثلة منها حق الجميع في تولي الوظائف العامة، وتوفير تربية عائلية ومدرسية واجتماعية تمتّن شعور المواطنة لدى الشباب، وإقتراح منهاج مدرسي موحد لجغرافيا لبنان وتاريخه السياسي والديني، وطرح قانون انتخابات نسبي على صعيد الدائرة واحدة أو دوائر كبرى وقانون مدني للأحوال الشخصية.

كما أن الشعور الصحيح بالإنتماء للوطن عند الفرد في المجتمع لا يمكن فعلياً أن يتحقق إلا في ظل نظام مدني علماني يؤكد على عدم تدخل الدين في تنظيم المجتمع والدولة وعدم تدخل الدولة في الحياة الدينية والجماعية وإحترام جميع الأديان مع فسح المجال للتعاون والتفاعل بين قيم المجتمع الإنسانية والدينية.

إذا كان النظام المدني العلماني ضرورة لبناء أي مجتمع في العالم، فكيف بالأحرى بالنسبة إلى لبنان الذي يقع في منطقة تنازع مصالح إقليمية، لا يُحيده عنها سوى اجتماع جهود اللبنانيين، كمواطنين متماثلين متحدين في مجتمع واحد، على تغليب إنتمائهم للوطن على حساب أي إنتماء آخر.    



طلب مساعدة
بدون مواربة، سأطرح الموضوعَ مباشرةً:

مُشكلتي أنني أفكر كثيراً وبدون توقف ... وهذا يُرعبني، فعقلي مُنهمك طوال الوقت، ... لا يرتاح أبداً!

في صغري، لم أكن أتجاوز في تفكيري المسائل السطحية! أما الآن فأنا أجهـِدُ نفسي في البحث في كل كبيرة وصغيرة، كما وداخل التفاصيل، عن مزيدٍ من التفاصيل!

يُريدُ عقلي أحياناً أن يمتحن نفسه بنفسه!

يُريد أن يُعَرِّف عن مكنوناته وأن يتعرّف على مكنونات غيره!

يُريد أن يُعلـِّم وأن يتعلم!

أن يَسمعَ النصائح ويُحللها، وأن يُسدي النصائح!

أن يتـّخِذ القرارات في المواضيع البسيطة كما في المواضيع المصيرية، في كل حين، وعلى مدى السنين!

التفكير يأخذ كل وقتي!

حتى عندما أنام فأنا أفكر وأرسم حياةً أخرى أو بديلة أو مقابلة.

أنا متأكد من أنني دائماً مُنهمِك في أحلامي، وهذه المسألة بالتحديد تـُشعرني بالإضطراب والإرهاق والقلق! فلطالما رغبتُ بأن أريح عقلي لبعض الوقت!

ربما أخاف عليه أن ينفذ أو يتبدد ككل شيء يدور حولي! والفكرة بحد ذاتها تـُرعبني!

أريد أن أحتفظ ببعض منه للمآزق ... لوقت الضيق!

عندما خضعتُ مُكرهاً لعمليةٍ جراحية ضرورية، دامت لمدة ثلاث ساعات، توجّه إليَّ طبيب البنج بالقول، عندما إقترَبَ ليضع على فمي آلة ضخ البنج:"باسل، أريدك أن تـَعُدّ حتى الرقم عشرة"، فسألته: "وإن لم أغفو؟ ...هل ستعطيني عندها بنجاً إضافياً؟"، فضحكَ ساخراً وصرّحَ بثقة: "إن أكبر رأس يغفو في غرفة العمليات بعد إعطائه هذا البنج، وقبل تعداد الرقم عشرة".

رفضتُ قانونه العلمي، واعتبرتُ نفسي مختلفاً! ... عددتُ ... وتجاوزت الرقم عشرة قبل أن أغفو!

بين بدء ونهاية العملية الجراحية، لم أشعر سوى أن لحظاتٍ مضت، شعرتُ بالفرح حينها، وبأن عقلي إرتاح لساعات عن التفكير.

ولكنني لم أجد بعدها، أية وسيلة ناجحة للتوقف عن التفكير.

لقد نصحني أحد أصدقائي المخلصين بأن أحتسي بعض الخمر، مُعلنا لي: "إنه يطيح بالتفكير". لكنني لست من محبي أو مُدمني الخمر، فقد أشربُ القليل منها للمسايرة فقط.

صديقٌ آخر مخلص نصحني بممارسة اليوغا في مكان مظلم منعزل عن الأصوات! ففعلت، لكن الأمر ضاعف من تفكيري وغزاه!

ما العمل!

... ما زلت أفكر

ما العمل!

... لستُ أدري!

يقولون أن الحاجة أم الإختراع، لكن الأمر يختلف ههنا!

أريد أن لا أفكر بشيء، بل أن أتوقـّف عن التفكير ولو للحظات بدون أن أفقد وعيي! هل هذا ممكن؟

هل مَن يَدُلـُّني على حل؟

هل حاول أحدكم ذلك ونجح ........... رجاءً أخبروني!

إستغرب أحد المثقفين المفكرين قلقي، وأخبرني بأن عليّ أن أفرح بـِعقلي المُفكر! مُشيراً إلى أنّ من حولنا الكثيرين من ذوي العقول الفارغة الذين لا يفكرون بشيء!

نصيحة ممازحة غير مفيدة، فهي لا تـُلبِّي حاجتي، ولا تفيدني واقعياً بشيء!

أنا أحتاج إجابة مفيدة!

ربما عليّ أن أنتظر إجاباتكم ، أو أن أفكر أكثر وأكثر حتى أصل بنفسي إلى إجابة!

لمن يرغب بمشاركتي التفكير في طريقةٍ أستطيع من خلالها عدم التفكير! أتقدم يائساً بطلب المساعدة هذا، للإقتراحات الإتصال بي على الرقم التالي /03587346/.

مع كل التقدير،

الإسم باسل عبدالله!

2009



مات الملك... عاش الملك!

منذ القدم، على مدى العصور وحتى يومنا هذا، كانت ولا تزال فئة من الناس، في المجتمعات كافة تتميز برفع راية القائد أو الملك أو الرئيس الذي يتولى السلطة، وتتبعه بغض النظر عن مبادئه أو مشاريعه، مؤيدة إياه حتى أفول نجمه، لتعود وتتنكر له عند أول إنقلاب عليه، وتسارع إلى مبايعة خلفه.

وقد اختلفت تسمية هذه الفئة من الناس على اختلاف المراحل التاريخية التي مرت بها. المهم أن ما كان يجمعها هو وجودها شبه الضروري لتمثل فئة من يُغلّب مصلحته الخاصة على المصلحة العامة ويهرول لنيل منافع تأتيه من جراء تظاهره لتأييد الزعيم أو المنتصر.

وربما، ما كان يميز هذه الفئة من الناس عن غيرها، هو الشلل الفكري والتوجه إلى مباركة ومبايعة من يحكم، على اعتبار أن ذلك يحفظ لها بقاءها.

وكلما قل عدد هذه الفئة من الناس في مجتمع ما، كلما أعطى هذا دليلاً على الرقي الفكري والثقافي لهذا المجتمع.

وفي المجتمع اللبناني، لا تتوضح صورة هؤلاء، ويصعب تمييزهم داخل الدولة. السبب في هذا ليس الدرجة العالية من الثقافة التي تتمتع بها فئات المجتمع المدني! إنما هو، على عكس ذلك، وبكل بساطة، إرتباط هؤلاء، كل فئة منهم، بمرجعها الديني أو سلطته الطائفية التي ينشؤون في كنفها. فلا يجدون المقدرة على التوجه إلى سلطة واحدة في البلد! لأن البلد تتوزع فيه السلطات على عدد الطوائف، فتبرز دويلات متعددة داخل الدولة. وكل دويلة منها على رأسها زعيم يدفعه حسه الطائفي إلى أن ينفر من زعيم الدويلة الأخرى. فيتأرجح الناس حسب إنتمائهم الطائفي!

لقد كُتب لهذه الفئات أن تبقى متنافرة في هذا الوطن!

ومن هنا، يساهم نظامنا الطائفي إلى حد بعيد، بتقزيم هؤلاء وتشتيتهم في "دويلاتهم".

ولكن المصيبة تقع، عند اختلاف زعماء هذه الدويلات أو التجمعات الطائفية فيما بينهم! فتخيلوا ما قد يفعله أتباعهم ببعضهم البعض!!! (ملاحظة: الرجاء مراجعة تاريخ الحرب اللبنانية).

* نشرة في مجلة تواصل في العام 2002.


 






بداية اللقاء


بعد تنظيم "مسيرة العلمانيين نحو المواطنة" التي احتشد لها الآلاف في نيسان 2010، والتي شقت طريقها من عين المريسة نحو مجلس النواب رافعة لواء العلمانية كمدخل أساسي لبناء الدولة المدنية في لبنان، وجد عدد من الشباب المستقل ومن جمعيات المجتمع المدني والمنظمات الشبابية التي شاركت في التحضير لهذا الحدث، من واجبها متابعة هذه الخطوة المتقدمة، وذلك من خلال تأسيس لقاء دائم يجمع هؤلاء وكل من يرغب في المشاركة والتعاون على توطيد أسس الدولة المدنية العلمانية في لبنان.

من هنا ظهر اللقاء العَلماني إلى الوجود باجتماع أوّل انعقد في محل إقامة المطران غرغوار حداد في شهر أيار من العام 2010، ومن ثمّ بلقاءات دورية تنعقد في مركز تيار المجتمع المدني في بدارو. وقد صدر عن اللقاء العلماني بيانٌ تأسيسي تضمن النقاط المشتركة التي يسعى المشاركون في هذا التجمع إلى الوصول إليها، فجاء في البيان:

"ان إحقاق نظام ديمقراطي علماني بديل للنظام الطائفي وتحقيق المواطنة الحقيقية والمساواة بين اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم، يتحقق من خلال النضال على:

-         إقرار قانون للإنتخابات خارج القيد الطائفي يعتمد النسبية على أساس الدائرة الكبرى .
-         صياغة كتاب تربية موحّد وكتاب تاريخ موحد يتضمن ثقافة الأديان والحضارات.
-         إقرار قانون مدني للأحوال الشخصية.
-         تظهير ونشر العلمانية الشاملة إعلامياً.
-    إلغاء التمثيل الطائفي في الوظائف السياسية والوظائف العامة واعتماد الكفاءة والمساواة في إختيار المرشحين لهذه الوظائف".

ولا يزال اللقاء يستقبل انضمام جمعيات ومنظمات شبابية جديدة وأفراداً جدد إليه.

ويأمل اللقاء العلماني في أن يتمكن في مطلع السنة المقبلة من تنظيم منتدى علماني، يستمر على أيام، ويجمع الشباب اللبناني الطامح لتغيير النظام الطائفي الحالي، ويمهد لمسيرة العلمانيين الثانية التي حدد موعدها في نيسان 2011.

في ظل المناكفات السياسية والإصطفافات الطائفية التي لا يزال وطننا يتخبط بها، يبقى اللقاء العلماني منبر أملٍ، ونقطة تلاقٍ لكل من ينشد عملاً سياسياً صحياً في هذا الوطن، ولكل من يرفض الإنغلاق الطائفي واتباع سياسة المصالح والأشخاص التي أرهقت كاهل المواطن اللبناني على مدى سنوات، ولكل من ينشد تطبيق سياسة القضايا كمدخل أساسي لمحاربة الفساد وتغيير النظام الطائفي السائد.

* نشرت في نشرة البنان علماني في العام 2010.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق