الأربعاء، 18 فبراير 2015

في عيد الحب، تحية واعتراض ...



في عيد الحب، تحية إلى كُلِّ حَبِيبَين مُفعَمَين بالأمل ما زالا يُؤمِنان بالحب في عالمٍ احتلتهُ المَطامع وقيّدهُ الجشع وسيطرَ عليه مَنطقُ المَصالح، فسقطت تحت وَطأته قيمُ الحب.

في عيد الحب، تحية إلى كلِّ مَن وَقعَ في الحب فاضطُر مُرغَماً إلى مُغادرة وطنه لبنان على أمل أن يتمكن يوماً ما مِن العودة إليه لبناءِ عائلةٍ مِن نِتاج هذا الحب مَع مَن أحبّ، وتحية أيضاً إلى كل مَن هاجر مع حبيبه يائساً في سبيل الحب إلى أي مكان في هذا العالم قد يَحترم حُبَّه أكثر مِن نظام دولته ووطنه، ... واعتراضٌ بالمقابل على كلِّ حائزٍ مَوقعَ مَسؤولية، لم يَسعَ لتأمين الحياة الكريمة والمناخ اللازم المُشجِّع لهذا المُواطن اللبناني لبَقائه في وطنه.

في عيد الحب، تحية إلى كلِّ مُتحابَّين مِن ديانتين مُختلِفَتَين، أبيا التنازُلَ عن حُبِّهما لمصلحة منظومة طائفية تمنعُهما مِن الزواج في لبنان، فتكبدا مَشقة السفر إلى الخارج للزواج مدنياً، ... واعتراضٌ على ساسةٍ أرادوا الناس غارقينَ في اصطفافٍ طائفي يُكبِّلهُم ويضعُ بينهُم حُدوداً في التواصل وفي الحب!

في عيد الحب، تحية إلى كلِّ مُتحابَّين رفضا تصنيفهما خارج هويَّتِهما المُواطنية في لبنان، فاستعادوا بالقوة تصنيفهما المُواطني أمام دولتهم وتزوجُوا مدنياً فيه، رغم أنفِ مَن أرادهم طائفيين، ... واعتراضٌ كلِّ قَيِّمٍ على السلطة، نادى كلَّ يوم بالمُواطنية، ولم يَسعَ حتى اليوم إلى سُبلٍ جَدِّيّة لتحقيقِ ما نادى به، واعتراضٌ أكبر على مَن وضعَ العثرات أما الخطوات التي تُعيد إلى المُواطن اللبناني انتماءه المُواطني.

في عيد الحب، تحية كبيرة جداً إلى الفقراء وذوي الدخل المحدود الذين قرروا البقاء في وطنهم وتأسيس عائلاتهم فيه باسم حُبِّ الحبيبِ وحُبِّ الوطن، رغمَ الواقع الأمني الشاذ والوضع المَعيشي المُتدهور ورغم تعثر نظام الحماية الاجتماعيّة وغلاء أسعار الشقق وتدنِّي فُرص العمل، ورغم أن مُستقبلهم ومُستقبل أولادهم في هذا الوطن كان وما يزال على كف عفريت، ... واعتراضٌ على كلِّ مَن سبّب ويُسبّبُ، وساهم ويُساهمُ، وغَضَّ النظر وما زال يَغُضّه عن هموم الناس وحقوقهم المَدَنيّة وحاجاتهم المعيشية.

في عيد الحب، المُواطن اللبناني بِحاجة إلى مزيدٍ مِن الحب مِن تلك الطبقة السياسية القيمة على شؤونه... هو بحاجة لأن تُحِبَّ هذه الطبقة انتماءَهُ المُواطني قبل أي انتماء آخر، فتَحكمَ بالحق لصالح هذا الانتماء ولمصلحة أي خطوة جديّة باتجاه تكريسه، هو بحاجة لأن تنتشل هذه الطبقة هوية المواطنة مما تكبدتها طوال سنين الحرب والسلم الماضية والحاضرة مِن تهميش وإزلال.


14-2-2015

الثلاثاء، 3 فبراير 2015

من حقنا أن نشطب الإشارة إلى طوائفنا - باسل عبدالله- نُشِرت في النهار 3/2/2015


      
من نشاط مدني مناهض للطائفية في لبنان
المصدر: "النهار"

باسل عبدالله-محامٍ وناشط مدني

3 شباط 2015 الساعة 15:57
مُنذ ولادته، يُصَنَّفُّ اللبناني في سجلات نفوسه بحسب انتمائه الطائفي.
هو تصنيفٌ رضخ له غير مُدركٍ أنّه يُؤدي به مع الوقت إلى خلل في ترتيب أولوياته بين الإنتماء السياسي الطائفي والإنتماء المُواطني لدولته، ويُجنّده في تبعيّة طائفية لسياسيين أقحَمُوه في ما مضى في حروب طائفية كان هو ضحيتها الأولى.
لأن القائمين بأعمال الدولة لم يُسَهِّلوا تجاوز الطائفية بخطوات عملية جديّة - رغم أن هذا واجب عليهم - بل استمروا في اللعب بقنبلة الطائفية الموقوتة التي تُهدِّدُ بالإنفجار عند أقل توتر محلي أو إقليمي يعيشه بلدنا، ولأنّ تصحيح علاقة الفرد بدولته والحاجة إلى تخطي لعبة الاستثمار السياسي الطائفي التي تُمارَس عليه يومياً في شتى مَجالات الحياة، هو أمرٌ مُلحّ، اتخذ مُواطنون لبنانيون خطوةً مُتقدمة على طريق إعادة علاقتهم بدولتهم إلى أساسها المدني، فبادروا إلى استعادة حقهم في عدم التصريح عن الطائفة وإزالة الإشارة إليها من سجلات النفوس، مُستندين إلى أن حق التصريح عن المعتقد الديني هو خيارٌ شخصي يعودُ لمُطلق حرية الفرد وهو مُستمد مِن مبدأ حرية التفكير والدين المُكرس في الدستور وفي الاعلان العالمي لحقوق الانسان، مُعتبرين هذه الحُرية تشمل حرية التصريح أو عدم التصريح الإداري أو غير الإداري بالاعتقاد أو الانتساب الديني، وأنّ شرط التصريح الإداري ليس شرطاً شرعياً في الانتساب الديني أو في عدمه، فالدولة اللبنانية ليست دولة دينية، ومن حق المُواطنين ألا يطلبوا إثبات هذه الإشارة إذا ما وجدوا ضرورةً لإثباتها، فالأصل فيها أن تكون بناء على طلب الفرد الصريح، الذي له حرية قيد نفسِه إدارياً في طائفة أو عدم قيدها، لا حلول الإدارة محله.

إنّ هذا الحق المدني بعدم التصريح عن الطائفة لا يمكن أن يُفسَّر على أنه خروج مِن الطائفة أو انتقال من طائفة إلى أخرى، أو تشكيل لطائفة جديدة.
وتكريساً لهذه الخطوة، أصدر وزير الداخلية السابق زياد بارود في العام 2009 تعميماً إلى مأموري النفوس، يُوضِّح فيه مسألة عدم التصريح بالمذهب، ويُؤكّد وجوب قبول أي طلب مِن هذا النوع.
بعد مُباشرة إجراء إزالة الإشارة إلى الطائفة من سجلات النفوس، أُطلقت خطوة جديدة تمثلَت بعقد أول زواج مدني في لبنان مع نهاية العام 2012 بين مُواطنَين بادرا سابقاً إلى إزالة الإشارة إلى الطائفة مِن سجلات نفوسهم. وقد عُقد الزواج بموجب وثيقة نُظمَت أمام الكاتب بالعدل، وسُجلت لاحقاً لدى دوائر النفوس.

وقد استعان وزير العدل السابق شكيب قرطباوي يومها بالهيئة الاستشارية العليا في وزارة العدل لأخذ رأيها في هذا الزواج، فأجابته بتأكيد الحق الكامل لمواطنَين لبنانيَين جَمعُهما الحب بأن يعقدا زواجهما المدني في لبنان، وجاء في جوابها:
"... ز- إن القانون اللبناني يعترف بالزواج المدني المعقود في الخارج، وبالتالي فمن باب أولى أن يعترف بالزواج المدني المعقود في لبنان وذلك تطبيقاً لحرية المعتقد المُكرسة في الدستور من جهة، ولعدم تشجيع فكرة المُداورة على القانون واللجوء إلى خارج لبنان لعقد زواج مدني من جهة ثانية.
ح- إن إقرار مبدأ الزواج المدني في لبنان من شأنه أن يُكرّس قاعدة مَفادها أن القضاء المدني هو القضاء العادى المختص في النزاعات الناشئة عن الزواج المدني، سواء عُقد في الخارج أو في الداخل، وليس من حصرية للمحاكم الدينية لإبرام عقود الزواج في لبنان إلا في المسائل التي تدخل في اختصاصها تحديداً.
من كل ما تقدم يمكن التأكيد على تكريس حق اللبنانيين الذين لا ينتمون إلى طائفة ما لإبرام عقد زواج مدني في لبنان ...".
وأضافت في جوابها:
"... الكاتب العدل مختص بتنظيم وتصديق عقد الزواج المدني للأسباب التالية:
1- أنه زواج لا يمنعه القانون، بل على العكس أنه زواج تنص عليه الفقرة الثانية من المادة العاشرة من القرار رقم 60 ل.ر.، كما أوردنا في مكان سابق.
2- أنه من العقود التي لا يمنعها القانون كما تبيّن وبالتالي هو من ضمن الأسناد الواردة في المادة 22 من نظام كتابة العدل.
نستنتج مما تقدم أن الكاتب العدل، في ظل التشريعات الحالية هو المرجع الوحيد المختص لعقد الزواج المدني والتصديق عليه...".
وقد استند عقد الزواج المدني إلى القرار رقم 60 ل.ر. الصادر بتاريخ 13/3/1936، والمتعلق بنظام الطوائف الدينية في لبنان والذي نص في الفقرة الثانية من المادة العاشرة منه على ما يأتي:
"يخضع اللبنانيون المنتمون إلى طائفة تابعة للحق العادي، وكذلك اللبنانيون الذين لا ينتمون لطائفة ما، يخضعون للقانون المدني في الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية".
وبذلك تكون هذه المادة قد لحظت وجود قانون مدني للأحوال الشخصية للمواطنين الذين ينتمون إلى القانون العادي (أي القانون المدني)، وهذا ما ينطبق على المُتزوجين مدنياً في لبنان.

إنّ اللبناني الذي تقدّم بطلب إزالة الإشارة إلى الطائفة في سجلاّت النفوس، قد أصبح بمجرّد شطب قيده المذهبي مُواطناً لبنانياً غيرَ مُصنّفٍ أو مُطيّفٍ في علاقته بدولته، وبالتالي بات يتواصل مع دولته وسلطاتها مِن منطلق صفته المُواطنية، لا من منطلق أي تصنيف طائفي، وهذا بالطبع لا يتعارض أبداً مع حرية إيمانه الديني بل يحمي وجوده المدني والديني على السواء، ويبني هويته المُواطنية ويُساهم في بناء دولة المواطنة التي عجزَ رجالُ السلطة عن بِنائها، ومنهم مَن لا يزال يضع العثرات أمام بِنائها حتى يومنا هذا.