الجمعة، 10 نوفمبر 2017

أزمة السيادة ... ولبنان !


إذا كانت السيادة وفقاً لمعظم التعريفات المُتداولة في العالم مفهومٌ يرتبط ببناء سلطة مُستمدة من قرار الشعب لا من أية قرارات أخرى خارجة عن إرادته.

وإذا كان الاستقلال مفهوم ترجمتُه "تحررُّ شعبٍ ما من نيرِ  احتلالٍ عسكري أو سطوةٍ أو هيمنة تختزل قراره".
فإنّ حال لبنان سيء على مدى تاريخه، في معاناته الأمرّين، من احتلال وسطوة وهيمنة لا زالت تلاحقه حتى يومنا هذا بأشكال مُتنوعة وبأحجام مُتفاوتة.

ولا شك أنّ أسباباً عديدة تلعب دوراً محورياً حيناً، ومُساعداً أحياناً، في انتقاص هذه السيادة أو الاستقلال.

يطرح تيار المجتمع المدني في أحد مبادئه إشكالية السيادة، إذ يعتبر أنّ أحد منطلقات تكوين المواطن الحر الديمقراطي العَلماني وبناء مجتمع الإنسان يكمن في "بناء  لبنان الوطن المستقل السيّد، الذي يعيش فيه المواطن بالتفاعل والحوار بحرية تامة، ويتمتع بحقوقه كاملة، ويؤدي واجباته". ويعتبر التيار أنّ "لا سيادة ولا حرية في ظل النظام الطائفي والمذهبي والعشائري".

ربما يتساءل القارئ عن ماهية علاقة النظام الطائفي والمذهبي والعشائري بما يشهده اليوم لبنان من أزمة سيادة أضحت واضحة المعالم بشكل كبير في منظار معظم اللبنانييين، تتنافس في خضمّها دول إقليمية واجنبيّة للهيمنة على قرار لبنان وموقعه السياسي مع أو ضد هذا المحور أو ذاك. وتكثر التحليلات حول أسباب هذا التجاذب، فالبعض يُؤكد أنّ السبب موقع لبنان في شرق أوسط مُلتهب، والبعض الآخر يجزم ارتباطه بوجود العدو الاسرائيلي واستمرار احتلاله لجزء من أراضي لبنان، وآخرون يربطون السبب بسلاح حزب الله، وأكثر من يصيب برأينا يربط السبب بتبعية زعماماتنا لقوى ودول إقليمية وأجنبية.

وإذا ما أيّدنا بالرأي السبب الأخير كسبب محوري دائم استمرّ ولو بوتيرة مُتفاوتة عبر تاريخ لبنان، فإنّ مردّ هذه التبعيّة كانت دوماً ولا تزال مُتعلقة بمفهوم "حماية الطائفة" من قبل دولة "حامية" تتبنى زعيماً طائفياً أو تدعمه أو تُوجِّهُه، فيختلط مفهوم الحماية هنا بمفهوم التبعيّة، وما يبقى ثابتاً هو أنّ تطييف العلاقة هو الشرط الأساسي لدى الزعيم الطائفي لبقائه - بنظر جماهيره - حامياً لطائفته من "غزوات" محتملة من الطوائف الأخرى.

أجّجت الحرب الأهلية في لبنان هذا التصوّر، وجعلت من الزعماء الطائفيين مصدر أمان لأبناء الطوائف، كما ربطت الحرب هذه الزعامات أكثر فأكثر بتبعيتها الاقليمية أو الأجنبيّة، فزاد النفوذ الغريب على لبنان وتكاثرت الدول التي صبَت إلى الهيمنة عليه والتحكم بقراره، وبالمقابل تضاعَفَ تحكّم الزعامات الطائفية بجماهيرها وارتباط هؤلاء عاطفياً بهذه الزعامات وأيضاً مادياً (بنتيجة تدفق مساعدات الدولة الحامية إلى الزعيم).

الحاجة مستمرة في لبنان لقوىً لا طائفية وعلمانية تشدّد رفضها التبعيّة للخارج، وتعمل على بناء المواطن الفاعل وعلى تأمين أدنى حقوقه المدنية والصحيّة والاجتماعيّة وحد أدنى من التنمية الشاملة المتكاملة، وكل ذلك في سبيل تعزيز انتمائه لمواطنيته على حساب انتمائه للزعامة الطائفية وبالتالي على حساب رضاه وتبريره لتبعيّة قوة خارجيّة لزعامته، والتي يظن خطأً أنها حماية لطائفته ولوجوده في بلده.

إنّ أُسُس تنظيم الحالة المدنية اللاطائفية والعلمانية مُتوفرة، يبقى واجب العمل الجدّي خارج المصالح الفرديّة لبناء تيار مدني مستقل علماني فاعل يعمل على مساحة الوطن.