تخيلوا معي أن الولايات المتحدة الأميركية في العام 2013 ستنهمك أكثر فأكثر بتداعيات أزمتها الاقتصادية، ولن تغدق على أي طرف حليف لها في لبنان أية مساعدات!
وتخيلوا أن دول أيران والمملكة السعودية وقطر في العام 2013 ستتفرغ لمشاغل داخلية تحتاج صرف الأموال بشكل كبير، مما سيمنعها من الإلتفات إلى مواليها في لبنان بأيّة مساعدة ماديّة، أو ستضطر لصرف أموال في مكان آخر غير لبنان!
وتخيلوا أيضاً أن دولاً أخرى خليجية وأقليميّة وأوروبيّة وعالميّة في العام 2013 ستتوقف عن إمداد فصائل لبنانية بالدعم المادي بسبب مشاكل إقتصاديّة ستتفاقم في العالم أو بسبب ظروف خاصة بكل منها!
وتخيلوا أيضاً أن دولاً أخرى جديدة لن تحضر أو تـُستَحضَر على الساحة اللبنانية لتحل محل الدول الآنفة الذكر في الدعم المادي لتيارات لبنانية هنا وهناك!
ثمّ تخيلوا لبنان!
وبالذات، تخيلوا أن جميع الأحزاب والحركات اللبنانية أصبحت بدون مصادر خارجية للتمويل... فلا دعمٌ مادِي ولا من يحزنون! ... وبالتالي، لا تقديمات مادية من هذه القوى لمُحازبيها ومُناصريها وجماهيرها، ولا تأمين مساعدات فرديّة أو جماعيّة بأساليب متنوعة لهؤلاء.
وتخيلوا الخلل الذي سيحدث في واقع الفرد "اللامواطن" في بلدنا، حيث العشيرة أو الفريق السياسي هو الحامي والراعي!
وتخيلوا هذا الفرد اللبناني كيف سيُعيد النظر إلى واقعه بعد وقف الدعم، وكيف سيُعيد التفكير بما هو عليه من حالة سيئة معيشية مخيفة ومن انتفاء لتأمين صحي جدّي ومن مستقبل مُقفل الآفاق في بلد تتناتشه السياسة الإقليمية والدولية، وفي بلد الفساد والـ"الهوبرة" والتحريض الطائفي والاصطفاف على أولويات لا تمت إلى مشاكله الحياتية ومُستقبله بصلة.
وتخيلوا أنّ الفرد المُطيّف سياسياً - كلٌ في مجموعته - سيشعر بأنّ ما كان يعوّض عليه أو يغطي جزءاً من حقوقه التي على الدولة أن تؤمنها له (أي المساعدات الفئوية المادية والتغطية الصحية)، لم تعد بمتناول اليد بل أصبحت في خبر كان!
وتخيلوا بنتيجة كل ذلك، كيف ستتفاقم الأمور، عندما يكتشف الفرد اللبناني أنه محروم من أبسط حقوقه، وكيف سيبدأ التحرك من أجل استرداد حقوقه من دولته، ومن أجل تأمين لقمة عيشه بطريقة بدائية عفويّة ثم بتكتلات منظمة!
وتخيلوا المشهد: رفض للواقع وثورة على المتمسكين بأمر الناس والمتلاعبين بحقوق المواطن .
وقدِّروا معي:
- اعتصامات ومظاهرات نقابية ومعيشية وحقوقية تبدأ من المناطق الفقيرة جداً في مختلف محافظات لبنان، وتأخذ في مُستهلّها طابعاً مناطقياً وطائفياً ثمّ تتحول إلى حراك واحد يضم كثيراً من الناس من مختلف الانتماءات والمناطق، ويتحول الفرد مع تطورها إلى مواطن يتشارك مع جميع المواطنين الهموم نفسها.
- اختفاء صور كانت مرفوعة لزعماء عرب وغير عرب من الطرقات والساحات، مرّة بعد مرّة مع مرور مُظاهرة هنا أو مسيرة من هناك.
- اختفاء هتافات التأييد لزعماء لبنانيين وقادة إقليميين، وظهور شعارات جديدة مطلبية.
- أفول أعلام حزبية قديمة وظهور أعلام جديدة يُرسَم عليها رغيفُ خبزٍ أو إبريق ماء أو قنديل أو.. أو...
- تحوُّل الخطابات على يد القياديين الجدد في الشارع مِن: "أنا موالي للدولة الفلانية لأنها .... " إلى: "أنا أريد حقوقي من دولتي لأنني ...".
وتخيلوا أن يشارك المفكرون والفنانون والنقابيون وغيرهم، جميعاً، يداً بيد، ويُسَخّورن ما لديهم لمصلحة التحركات المطلبية.
وتخيلوا أيضاً أنّ هذه المظاهرات، يوماً بعد يوم، ستعُمّ المناطق اللبنانية، ثمّ كل أرجاء الوطن.
وتخيلوا كيف أنّ الزعماء في لبنان سيشعرون بالقلق!! ثم سيُهرِّبون ما تبقى من أموالهم في المصارف اللبنانية إلى الخارج! ومن بعدها يُباشرون بدورهم بالمغادرة كلٌ إلى دولته الراعية... واحداً تلوَ الآخر!
أوففففففففففففف!!!!!
وتخيلوا أنّ القرار سيصبح بيد الشارع، بعد إضرابات عامة كبيرة، وأنّ قيادات الثورة ستطالب بإصلاحات عامة أساسية. وسيساهم الجميع في إطلاق مؤتمر تأسيسي للجمهورية اللبنانية الثالثة.
ثمّ تـُقرّ التعديلات على الدستور بعد أن يُصوَّت عليها في استفتاء شعبي.
وتخيلوا أن تعاد صياغة مقدمة الدستور الجديد بإضافة مُقدمة ثانية تقول:
1- تتعهد السلطة اللبنانية خلال عام من المؤتمر التأسيسي بوضع نظام ضمان صحي شامل لجميع اللبنانيين.
2- تتعهد السلطة اللبنانية خلال ثلاثة أعوام بتخصيص أراضي من أملاكها وأملاك البلديات والمؤسسات الدينية في جميع الأقضية لتشييد مُجمّعات سكنية للشباب اللبناني، على أن يدفع الشباب كلفة بناء المسكن فقط.
3- تتعهد السلطة اللبنانية خلال مهلة ثلاثة أشهر بتنظيم انتخابات نيابية على صعيد لبنان دائرة واحدة بقانون نسبي وبنظام لوائح مقفلة.
4- تتعهد السلطة اللبنانية خلال مهلة سبعة أعوام بتشييد مصانع في جميع المحافظات اللبنانية وتشجيع المبادرات الخاصة في هذا السبيل وعدم تكرار شعار "لبنان دولة سياحية والسلام عليكم".
5- تتعهد السلطة اللبنانية خلال مهلة عام بتشكيل لجنة قانونية لإصلاح القوانين التي تساهم في التمييز بين اللبنانيين.
تخيلوا معي وتخيلوا ...
وما أجمل أن تتحول تخيلاتنا إلى حقيقة.
وما أجمل أن يُعيد الشعب اللبناني تنظيم وبناء وطنٍ كان الفسادُ قد تآكلَ مؤسساته، ونخرَت أسسه المحسُوبية والتحريض على مواقف لا تمت إلى شؤون المواطن الحياتيّة بصلة!
وما أجمل أن يُعيد الشعب اللبناني تنظيم وبناء وطنٍ كان الفسادُ قد تآكلَ مؤسساته، ونخرَت أسسه المحسُوبية والتحريض على مواقف لا تمت إلى شؤون المواطن الحياتيّة بصلة!
وما أجمل أن يتوحد الشعب على الدفاع عن حقوق الشعب!
وما أجمل أن يثور الناس من أجل لقمة عيش الناس!
وما أجمل وأحوج لبنان والفرد "المواطن اللبناني" في هذه الظروف المريرة إلى أن يتخيّل ويتخيل كي يتمكن من الاستمرار في بعث جُرعة جديدة من الأمل له ولرفاقه ولأولاده !!
باسل عبدالله
12/12/2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق