ينتشر
الفساد في كثير من دول العالم، وفي مقدمتها دول العالم الثالث. مصدر هذه الآفة جشع
أصحاب السلطة واستسهالهم إساءة استخدام سلطتهم لأغراض شخصيّة، مُستفيدين من شلل
أجهزة الرقابة في دولهم أو هيمنتهم عليها.
احتلّ لبنان في العام الماضي المرتبة 143 في مؤشر الفساد من أصل 180 دولة، ورغم رداءة هذه النتيجة، لا زالت سبل المعالجة عند المعنيين غائبة، بل لا حلول منظورة ولا نيّة جديّة في إيجادها.
معاناة اللبنانيين، منذ نهاية الحرب الأهلية، مع غياب الخدمات العامة لم تتبدّل يوماً، والمعنيون فشلوا في إيجاد حلول حقيقية لأزمات الماء والكهرباء ولنظام الحماية الاجتماعية ولأزمة النفايات ولاحتلال الشواطئ العامة ... وصولاً إلى تنامي الرشاوى والمحسوبيات وسرقة المال العام في مختلف مرافق الدولة.
في العام 2017، وبعدما وصلت مديونية لبنان
إلى أكثر من ثمانين مليار دولار أميركي،
أرسلت مجلة «أوبسرفاتور» الفرنسية خمسة صحافيين اقتصاديين لإجراء تحقيقات عن الوضع
الاقتصادي والمالي في لبنان. نتائج تحقيقات هؤلاء بيّنت هول العجز والفساد، وأكدت
استطلاعاتهم أن معظم أصحاب السلطة حققوا جراء الفساد ثروات طائلة وصلت إلى معدل
مليار دولار أميركي لكل واحد منهم.
يرى المُتابعون أن مدخل الحل يستلزم تفعيل هيئة وطنية لمكافحة الفساد وإقرار قانون جديد للإثراء غير المشروع وللتصريح عن الذمة المالية، غير أنّ حل مشكلة الفساد جذرياً يستلزم عملاً يطال مُستويات عديدة، جزء منه يتعلق بتشكيل حالة وعي جماعي لدى المواطنين لأسباب الفساد ووسائل مواجهته، وجزء آخر يتمثل بتفعيل الهيئات الرقابية وتفعيل الضغط على السلطة لوضعها أمام تجاوزاتها ولتحميلها مسؤولية محاسبة الفاسدين مهما علا منصبهم الرسمي أو شأنهم السياسي أو مكانتهم المالية.
في ظل فكر سياسي قائم على المُحاصصة الطائفية واستخدام السلطة لمصالح شخصية ضيقة، وأمام غض نظر السلطة عن الحالة الاقتصادية الكارثيّة في لبنان، نجد هذه الأخيرة تُهرول لمُلاحقةً فلان هنا وآخر هناك على مواقع التواصل الاجتماعي، يَئِسوا سياسة الأمر الواقع التي ينتهجها صناع القرار في لبنان، وعَبَّروا عن نقمتهم المشروعة مما يجري، ... نرى هذه السلطة تقمع أصواتهم بدل أن تسعى لأن تؤمِّن لهم فرصة العمل المُناسبة والعيش الكريم في وطنهم!
أصبحت محاربة الفساد
شعاراً غير قابل للتطبيق. ومواجهته لا يمكن أن تتبلور إلا من خلال بناء قوة سياسية
مدنيّة نظيفة الكف تطرح حلولاً عمليّةً وتقف في مواجهة منظومة الفكر السياسي
الطائفي الذي تشكل بيئة مُناسبة لانتشار جميع أشكال الفساد.
باسل عبدالله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق