بعد إنفجار السيارة المُفخّخة الأسبوع الماضي
في الضاحية الجنوبيّة من بيروت، والذي راح ضحيته 25 شهيداً وما يزيد عن 300 جريح،
سارع حزب الله إلى تكثيف إجراءاته الأمنيّة وحواجزه في الضاحية، مُحاولاً تدارك أي
عمل إجرامي جديد قد يُهدد أمن الضاحية وسُكّانها الذين يَدين مُعظمهم بالولاء لهذا
الحزب.
***
يبدأ تطبيق هذا القرار على أرض الواقع، وتصل
أنت إلى أحد مداخل الضاحية ليلاً أو نهاراً من إحدى جهاتها الشرقية أو الغربية بغرض
التبضع أو زيارة أحد الأقرباء، غير مُتنبِّهٍ لما ينتظرك.
نعم، وتقع في الزحمة.
تصطدم أولاً بأول حواجز حزب الله الأمنيّة.
تقف في طابور من السيارات بانتظار المرور.
بعد قليل يستقبلك أفراد الحاجز بالترحاب
"تفضل"، ثم "ما تواخذنا"، يُرسلون بك إلى صف التفتيش، مثلك
مثل جميع السيارات التي تسعى المُرور.
تنتظر أنتَ مثلهم دورك في تفتيش السيارة.
صندوق السيارة الخلفي، ثمّ الأمامي، وأحياناً
الأبواب ... والهوية عند الضرورة. ثم يستودعُونك السلام، نعم، وبكل أدبٍ واحترام، يقولون
لك "الله معك، ما تواخذنا"، حتى أنّك تجد رَجلين من رجال الحاجز عند
نهايته، يُرافقان إبتعاد السيارة عن الحاجز بابتسامةٍ مُحِبّة وضربة على الصدر تـُحييك
(على الطريقة الشيعيّة المؤمنة) تحيّة طيبة على شكل أسف واعتذار من الإزعاج الذي
سبّبه لك الحاجز لضرورات أمنيّة.
"والله أوادم هالشباب"، هذا أول ما
تقوله في نفسك، وتشعر بأنك أخطأت بأنك لم تُفرج لهم عن ابتسامتكَ أول ما وصلت...
"كتِّر خيرهم والله".
***
لا شك في أنّ هذا المشهد الذي يُواجهه كثيرٌ
من الناس من أبناء وغير أبناء الضاحية أثناء دخولهم الضاحية، يترك لديهم انطباعات
وهواجس، أو بالأحرى بالحد الأدنى مُلاحظات ثلاث لا يمكن تجاهلها بتاتاً مهما كان
انتماؤهم الطائفي أو توجُهُهم السياسي:
أول ملاحظة هي أنّ الوضع في بلدك وفي المنطقة
التي تسير فيها خطر للغاية، وبالتالي هنالك حاجة لهذه الإجراءات الأمنيّة غير المسبوقة.
وتستنتج بشكل مباشر بأنّ شباب الحاجز يقومون بواجب يُخفف لا شك من حالة القلق
والخوف التي تـُسيطر على منطقة الضاحية وعليك، وتقول في نفسك: "والله يعطيهم
العافية"، ... رغم أنّك تستدرك فجأة بعد أن تلمع في ذهنك إحدى تلك الأفكار
الغريبة : "ماذا لو قرر أحد الإنتحاريين تفجير نفسه في زحمة الحاجز، وعندها عواض
بسلامتك عليك وعلى غيرك!"، لكنك بعدها تتعمَّد استبعاد هذه الفكرة لهولها.
ثاني ملاحظة هي تنبهك إلى أنّك لا شك دخلت أسوار "جمهورية
حزب الله" بما تتمتع به هذه الجمهوريّة من نظام أمني خاص مُميّز، وتتخيل
السيد حسن نصرالله رئيس هذه الجمهوريّة، وهنا يختلف المزاج في التقييم بين مُؤيِّد
ومُعارض لحزب الله، وبين مُؤيّد للمقاومة من جماهير الحزب ومُؤيِّد لها من غير جماهيره.
لكن جميع هؤلاء (وتحديداً مِن أولئكَ الذين سبق لهم أن عايشوا الحرب الأهليّة) يَستعيدُون،
ولو لِوَهلة، تاريخَ سيطرَت ميليشيات الأمر الواقع على مَساحات خاصة بهم في المناطق
اللبنانيّة خلال الحرب الأهليّة في لبنان.
ثالث ملاحظة، وهي ملاحظة استدراكيّة، تستوقفك لتُعلمك أنّ
هذه "الجمهوريّة" تختلف في مكان ما عن كانتونات الميليشيات زمن الحرب. ويأخذك
خيالك الواسع لتُشبِّهها فجأة بالمدينة الفاضلة، لجهة الطريقة المُميّزة التي
يُعامل بها أفراد الحواجز المُواطنين، فتتمنى في لحظة لو كانت حواجز الدولة (أي
الجيش والأمن الداخلي) تُمارس هذا "التدليل" الذي يُمارسه عناصر حزب
الله للناس على حواجز مداخل الضاحية. ثمّ تتنبّه أن عدد المُتفرغين للمُراقبة على
هذه الحواجز كبير، ليلاً ونهاراً، فتتوقع أنّك لا بد تشرفت على الحاجز بِمُقابلة
عدد من الشباب المُقاوم الذي قد يكون سبق له أن رابض على الحدود الجنوبيّة للوطن
لسنوات طوال، ومنهم من واجه إسرائيل في مواقع عديدة وحاربها في حرب 1996 وفي حرب
تموز 2006... فتقول "يا اللللله!"، مُحاولاً النظر إلى الجزء الملآن من
الكُوب، وتعتبر أن هنالك فارقاً إيجابياً كبيراً بين هذه الميليشية ... عفواً، أقصد
أفراد حواجز الضاحية، ... وميليشيات الحرب اللبنانيّة... فتتنفس نفساً عميقاً وترتاح.
***
بعد كل ذلك، تصل إلى مكانك المقصود في قلب
الضاحية، فتركن سيارتك وتضع الورقة التي تحمل رقم هاتفك فوق المقود تحت الزُجاج
الأمامي، وتُلقي نظرة سريعة إلى داخل سيارتك لتتأكد أن ليس فيها أغراضاً قد تُثير
المخاوف أو الشبه بسيارتك ... وتُتابع سيرك بسلام إلى المكان الذي قصدته.
ولكن،
بعد لحظات من حالة الرضا هذه،
يتشوش تفكيرك من جديد ...
وتشعر بتشنج في الأعصاب وبضياع يتناولان كل
ما يدور حولك في وطنك وحياتك ومُواطنيتك وحريتك وسلامتك ومستقبلك ومصيرك... تشعر وكأن
الشيطان لعب بعقلك، فتتلفظ عبارة: "كس إخت هل بلد!" لتـُعَبِّر
عن قرفك ويأسك من وضعك المُتأزم في وطنك.
لكن ذلك لا يطول،
فبعدها .................
وببساطة،
وبسرعة قياسيّة .................
تعود لتسترخي من جديد،
وينتهي الأمر عند هذا الحد.
***
باسل عبدالله
22/8/2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق