تَجري نملةٌ خلف أخرى في خط سيرٍ مُحدّد ومُعقّد
وطويل، تبحثُ على دربه عن قُوتها اليومي ومُونَتِها السنويّة. ويَفرضُ مُجتمع
الحشرات هذا، بِمَساره، نظامَ حياةٍ جميل ومُمِل في آن... نُراقبه باهتمام وإمعان...
نُعلن لأنفسنا: "إنه مُجرّد مُجتمع حَشرات
لا غير، يُطبِّق بدقة وإتقان عاليين غريزته بدون تفكير".
نتعجب، بادئ ذي بدء، من هذا المشهد، ثمّ
نعتاد عليه، ونصل في النهاية إلى الشفقة أو الاستهزاء بهذا التكرار المُمِل ... وبهذه
الدوامة التي لا تنتهي!
***
ولكن بعيداً عن ذلك، ما مِن مُشكلة، نعم ما مِن
مُشكلة، فنحنُ كبشر نعشقُ التجدُّد والتطور، وكلٌ مِنا - أي كل فرد - يعتبر نفسه
مُميّزاً وله خصوصيته الإنسانية في نظر نفسه، ونظر الطبيعة، ونظر الكون، ونظر الله.
نعم، ونُصِرُّ على هذا التوصيف الإنساني.
***
فجأةً ومع مُرور الزمن وتوالي الأيام، يَحضُر
التطور التكنولوجي أمامنا، ليطلب منا التوقف عن هذا "الفخر الإنساني بالنفس"
الغبي، ويعرض علينا أن نَتَسَمّر أمام شاشات التلفاز ومواقع الإنترنت، لنَشهد بوعينا
الكامل حقيقة ما يدور حولنا مِن أحداث تُفيد بِشكل لا يقبل الشك أنّ ما يُميزنا
كأفراد، هو مُجرّد هراء، فمِثلنا في هذا العالم مثل مليارات الناس والحيوانات
والحشرات والطيور والأسماك والنباتات، مِمَن مَرُّوا أو يَمُرون الآن أو سيَمُرون
غداً على هذه الأرض!
إنه إكتظاظ بَشري بكل ما للكلمة من معنى، ...
اكتظاظ يفرضُ نفسه ليُعلن أننا لا نُساوي شيئاً في حركة هذا التاريخ بأحداثه المُتلاحقة،
وبالتالي في حركة هذا العالم.
نحن مُجرد مُنتجات مُتكرِّرة تَحكُمها
الغريزة، رغم ما نتذرّع بأننا نحمله من عقول!
***
جرّاء ذلك، ندخل كمجتمع بشري في حالة اضطراب عصبي
ونفسي.
نضطرب حين نكتشف أنّ كل ما يدور حولنا في مُجتمعنا
البشري لا يُشكل سوى حالة مُماثلة لمجتمع النمل الذي سَبَق واستهزأنا به، ولكن على
شكل أكبر حجماً.
نضطرب لمُجرد أن نتخيّل أننا قد نكون في نظر
النجوم مثلاً، مجموعة حشرات تُمارس غريزتها، ولا تستحق من النجوم سوى الشفقة أو
الاستهزاء بها!
***
هو مزيجٌ من تطور في الوعي والمعلومات لدينا.
التكنولوجية تُؤكد لكل فرد منّا بأنه ليس
بمُمَيّز عن أحد، بل هو واحدٌ من بين مليارات المُتنفسين هواءَ هذا العالم!
نعم، وتتعَقّد الأمور مِن منظار "لا
وعينا"، ... هو شعورٌ يأخذ بهذا "اللا وعي" إلى الإحباط، ولا ينتج
عن هذا الاحباط سوى الملل. والملل يتقاطع مع شعور آخر بـ"القلق على المصير"،
فنتساءل:
هل جميعنا ينتظر مصيراً واحداً لا غير؟
هل نحن فعلاً لسنا سوى حالة اكتظاظ ضروريّة
لاستمرار الشكل المُمِل لهذا العالم؟
هل نحن في نفس مَوقع تلك المخلوقات الصغيرة التي
ننظر إليها نظرة استهزاء؟
وأسئلة كثيرة أخرى .....................
وعيُنا الجماعي يأخذنا إلى حالة موت سريري، بانتظار لحظة الرحمة !!
فرجاءً، وإلى ذلك الحين ... توخّوا الحذر
وأنتم تمُرُّون على هذه الأرض، فقد تدوسون في لحظة ما حضارة أحد أنواع حشرات مُجتمعات
هذا العالم. وقد يكون هذا المُجتمع الذي دُستم عليه باستهزاء، المُجسّم الصغير
وليس الأصغر، من مجتمعكم الكبير وليس الأكبر، الذي قد يأتي مَن يدوس عليه أيضاً
باستهزاء، من المخلوقات الكونيّة المرئيّة أوغير المرئيّة الأكبر!!
***
باسل عبدالله
15/8/2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق