الأحد، 2 فبراير 2014

قراءة في تفوّق الإنسان على الآلهة


هل على الإنسان المؤمن أن يَحُدَّ نفسه في علاقته بإلهه بحدود واعتبارات والتزامات يحكمها طابع الخضوع لهذا الخالق؟ أم على العكس، عليه أن يسعى دوماً وبدون موانع إلى تطوره الشخصي كإنسان، ولو كلف الأمر في مرحلة حاسمة دخوله مُواجهةً ضاريةً مع المعتقد الذي قدّم له فكرة الله، وحتى مع هذا الإله بذاته؟

هو سؤالٌ لطالما طرحته على نفسي، وأحياناً على من حولي مِمن وثقتُ باسقلاليتهم الفكرية وتفتُح وعيهم وقدرتهم على التحليل، ولطالما تنوعت أجوبة هؤلاء وتشعبت بحجم الأفكار والخبرات وطرق التحليل ومدى الحرية الفكرية التي تمتعوا بها.

أما عن أسباب إثارتي هذا الموضوع اليوم، فهي لا تقف فقط عند أهمية هذا السؤال كموضوع لا مهرب من طرحه في يوم من الأيام على أنفسنا، بل تتعدى ذلك إلى ما نشهده في حياتنا ومجتمعاتنا وواقعنا السياسي المحلي والإقليمي هذه الأيام من استعمال مُقزز للمعتقدات الدينية دون حدود في مواقع أنتجت وتنتج حجماً مُخيفاً ومُرعباً من القتل والدمار والعنف وتقهقر العقل لصالح غير مشيئته، وذلك باسم الدين أو القائد الذي يدعي تمثيله له، وباسم الإيمان أو بهدف تنفيذ ما يعتقدهُ كثيرٌ من الناس "أوامر الخالق".

ولا شك أنّ كثيراً من المُفكرين عبر التاريخ تعرضوا بشكل أكبر لهذا الموضوع الشائك وتحديداً في لحظات الصدمة من حوادث عاشوها ولم يتمكنوا من استيعاب نتائجها، فكانت ردة فعلهم أمام هول الزلازل والكوارث الطبيعية مثلاً ونسبة الضحايا التي حصدتها أو أمام همجيّة الحروب وما أدت إليه من ضحايا، ما جعل هؤلاء يُعيدون النظر في كل ما يدور حولهم وفي كل المعتقدات التي أرستها لهم مجتمعاتهم.

والأسوأ أننا في مُجتمعنا نَسيرُ بِخـُـطىً مُتسارعة إلى الوراء، فبعد أن كان جيلنا أيام الدراسة يتفاجأ مثلاً بالمجازر التي اقترفها جمال باشا السفاح في عهد السلطنة العثمانية في لبنان، أصبح فعله في أيامنا هذه، أمام واقع ما نشهده، لا يدعو للإستغراب بل يمر مرور الكرام أمام هول المذابح وأعمال القتل التي نشهدها كل يوم في بلادنا العربية، وكأنّ عقلنا أصبح مُبرمجاً لقبول كل ما يجري، وما عاد يتوقف عند "سفاح" مرّ في التاريخ، لأننا نرى آلاف السفاحين أمامنا كل يوم يقتلون بدم باردة وأحياناً كثيرة باسم الإله.

فهل للتَمَذهُب الديني دورٌ في كل ما يجري اليوم؟ بل هل أنّ الدين بحد ذاته يُولد بطبيعة تركيبته هذا التعصب أم أنّ شكل التلقين الديني هو السبب في إعادة إنتاج الإنسان المُبَرمَج لأداء مُهمة مُحددة، ليس له تخطيها تحت طائلة خرق الإلتزامات التي تفرضها عليه السماء؟

لست بوارد الإجابة عن السؤال الأخير الآن، لكنني سأكتفي بالإجابة عن السؤال عُنوان هذه المقالة، هل على الإنسان المُؤمن أن يَحُدَّ نفسه في علاقته بإلهه بحدود يحكمها طابع الخضوع لهذا الخالق؟ أم على العكس؟

برأيي وبإيماني ووعيي أدّعي أنه لا يمكن أن يكون الله قد وَهَبَ الإنسان العقل ليكون هذا الأخير عبداً، فالعبوديّة نقيض وعينا العقلي، ولا يمكن أن يكون وهَبَهُ المنطق ليكون آلـة مُبرمجة، أو وَهَبُهُ القدرة على التحليل ليكون يرتهن نفسه للتبعية العمياء.

لا يمكن للإنسان الحقيقي الذي أراده الله أن يكون دُمية بيد أي إنسان آخر، ولا حتى دُمية بيد الله، وبالتالي لا يريدهُ أن يكون خاضعاً أو عبداً لأحد، حتى له (أي لله)، بل بعكس ذلك، فالله الذي خلق العقل للإنسان، قد أرشدهُ إلى حرية المعرفة وأعطاه سلاح التطور، وهذا السلاح بطبيعة تكوينه مبني على ذخيرة البحث الدائم والمُستمر في كل ما يدور من حول الإنسان من أمور، وقد يُؤدي هذا البحث إلى تدمير شامل للثقافة التي نشأ عليها الإنسان منذ صغره، مهما كانت خلفية أو نوع هذه الثقافة.

وبالتالي من غير الطبيعي أن يضع الخالق مَوانعَ على استعمال الإنسان للعقل الذي أمدّه به.

فكي تنتصر إرادة الله والغاية من منحه العقول لأصحابها، من الطبيعي بل لابد أن تُترجَم قمة الإيمان عند أي إنسان في مدى استعماله عقله والارتقاء بوعيه الفكري وإنضاج معرفته وطاقته، فالتدرج على سُلّم التطور الإنساني يتطلب في بديهيات الأمور الثورة على كل ما قد يقف بوجه الإنسان من عوائق، مُنطلقاً خارج أي أحكام مُسبقة أو تأثُيرات اجتماعية وعقائدية أو انحياز فكري.

في إحدى أساطير الحضارة البابليّة القديمة تظهر قصة الإلهة "أنانا" وهي تُخاطب "جلجامش" بطل مدينة أوروك وملكها (وهذا الأخير ثلثه إله وثلثاه إنسان بحسب الأسطورة)، وتعرض الإلهة "أنانا" عليه حُبّها، غير أنّ "جلجامش" يرفضه، فتطلب "أنانا" من والدها "آن" (رب السماء حسب الاسطورة) أن يُعيرها "ثورَ السماء" لتهبط به إلى الأرض وتقتل به "جلجامش"، لكن هذا الأخير يُواجه "ثور السماء" ويتمكن من قطع رأسه.

هذه الأسطورة تنتهي بتفوق الإنسان المُتطور (الإنسان المُرتقي - الإله) على مبعوث الإلهة "أنانا" (التي تمثل بنظرنا السلطة المُتكلمة باسم الإله).

فلنرتقي بانساننا نحو الأعلى، لأنّ لا أمل أن تكتمل صورة الإيمان الإنساني بشكلها الأبهى إلا عن طريق تحرير الإنسان من أي ارتهان بشري أو أو ديني أو إلهي.

فكي نفهم الخالق، لا بد أن نسعى للتفوق على نفسنا وعلى مُسلّماتنا، وبالتالي الثورة على خضوعنا لمن يدعي تمثيل الخالق، ثم عليه نفسه، للوصول إلى معرفته.

باسل عبدالله
2/2/2014


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق