الأحد، 17 أغسطس 2025

العلمانية والدين في لقاء مع الأب الدكتور ميشال سبع



 أجرى المقابلة: لمى الحاج حسن وباسل عبدالله

في منطقة تجتاحها النزاعات وتستنزفها المُواجهات، ويتفشّى فيها التعصب، وتضرب فيها الطائفيّة آخر مُقوِّمات بناء المواطن والإنسان الحر في المجتمع، نفتح الباب واسعاً في نقاش فكري مع الأب الدكتور ميشال سبع، مُتناولين قضايا الإنسان والعلمانيّة والإيمان والدين والسلطة الدينية، ومحنة المعرفة في بلادنا ومشرقنا.

الدكتور ميشال سبع هو رفيق درب المطران غريغوار حداد. ساهم معه ومع الدكتور جيروم شاهين والفيلسوف بولس الخوري في تأسيس مجلة "آفاق" في سبعينات القرن الماضي. هو أيضاً دكتور في الاجتماع السياسي وباحث في الفكر القومي والميثولوجيا. مارس التعليم الجامعي في الجامعة اللبنانية، وترأس فيها لفترة قسم الصحافة. كان أيضاً رئيس المدرسة البطريركية في بيروت. كتب ميشال سبع في صحف لبنانية وعربية عديدة، منها السفير والنهار، وصدرت له مؤلفات فكريّة عديدة منها "مدخل إلى علمنة الإيمان"، وبحث في "الأقليات والفكر السياسي" مُوزّع على عدة كتب.Top of Form

كان لأسرة تحرير مجلة "تواصل مدني" هذا اللقاء الصريح والعميق مع الدكتور ميشال سبع:

كيف ينظر د. ميشال سبع إلى العلمانية، وأين التداخل برأيه بين العلمانية والإيمان، والعلمانيّة والدين؟

العلمانية ذات وجهين، الوجه الأول، هو العلمنة الإدارية السياسية المدنية، أي بكل مفاهيمها، وتندرج تحتها المواطنة والديمقراطية والزواج المدني إلخ... وهذه تعتبر ضمن الشق القانوني والإداري. والوجه الثاني، الذي سأتكلم فيه، هو العلمنة الفكرية، والعلمنة التي يمكن أن نطلق عليها تسمية "العلمنة الإيمانية"، وفي هذا المجال نستذكر قول المطران غريغوار حداد أننا مع  "تحرُّر الإنسان، كل إنسان، وكل الإنسان". وإلى اليوم يتساءل الكثيرون عن القصد بعبارة "كل الإنسان"؟ وقد دارت حوارات عميقة حول هذا الموضوع، فهذه العبارة تحمل مضامين كبيرة جدًا تطال مجتمعنا، فالعلمنة الأولى بدأت في أوروبا مع الثورة الفرنسية في العام 1789، والتي كان أبطالها مونتسكيو Montesquieu وجان جاك روسو Jean-Jacques Rousseau وفيكتور هوجو Victor Hugo وموليار Moliere وفولتير Voltaire... ولن أدخل في تفاصيل هذه العلمنة كونها شائعة جدًا. لكن العلمنة الأخطر في التاريخ كانت العلمنة الألمانية، ورُوّادها فويرباخ Feuerbach وسبينوزا Spinoza وهيغل Hegel وفيخت Fichte ونيتشه Nietzsche... وهذه العلمنة تتكلم عن واجب التحرر من الموروثات الدينية التي تُكَبِّل كل حياتنا والتي تمنعنا من العيش كبشر، وهذا ما يُسمُّونه Aliénation أي الاستلاب، حيث ينشأ الإنسان منذ الصغر على فكرة أن الله يرانا، وأنه يقول لنا مثلاً ألا نكذب، وأننا إن كذبنا فسنعاقب، وهذا ما يؤدي إلى شعور مُتنامي بالخوف، ليس فقط من المعلم في المدرسة مثلاً، إنما أيضاً في حياتنا الخاصة، على السرير مثلاً في غرفة النوم، حيث يُلاحقنا هاجس مُحاسبة الله ومعاقبته لنا. هنا يصبح الطفل مُكبّلاً بمجموعة من التقاليد والمفاهيم والأخلاقيات التي لا علاقة لها إطلاقًا بالإنسان. كيف ذلك؟ كي أوضح الأمر، سأتطرق إلى مقالة نشرتُها في مجلة "آفاق"، تحت عنوان "الأخلاق مخلوق اجتماعي لا ديني"، وقد تسببت لي بمشاكل مع السلطة الكنسية آنذاك، وطالبوا بطردي، وحجَّتهم في نقدي، فكرة أنّه إذا خلى الدين من الأخلاق فما الغاية من وجود الدين؟ وقد أجبت عن تساؤلهم، بسؤال مضاد: هل الأخلاق ثابتة أم مُتغيرة؟ هل الأخلاق التي تعارَفَ عليها الناس منذ مئة سنة هي نفسها أم تغيرت؟ وكانت الإجابة: "لا لم تتغير". كيف لم تتغير؟ سأعطي مثالاً بسيطًا على هذا الأمر: جدتي في شبابها كان عليها العودة إلى منزلها قبل الساعة الرابعة عصرًا أي قبل غروب الشمس. أمّا أمي فكان بوسعها الخروج للسهر مع صديقاتها على أن تعود قبل السابعة مساءً. والحال تبدلت أيضاً بالنسبة لزوجتي، ومن ثم بالنسبة لابنتي اليوم. إذن، مفاهيم الحرية والأخلاق مُتغيرة، وذلك ينطبق حتى على مفهوم اللصوصية اليوم، أليست التجارة اليوم سرقة؟ أليست السياسة سرقة؟ فالعادة الاجتماعية هي العادة الأخلاقية. الأخلاق تتغير مع تغير المكان والزمان. لذا لا يجوز أن نقول الدين أخلاق، وإلا يصبح الدين مُتغيرًا. وإن كان كذلك فالوضع يصبح مختلفًا، ولا نعود قادرين على الاعتماد على القرآن والإنجيل، لأنّ مفاهيم هذين الكتابين، بذلك، تُصبح مُتغيِّرة مع تغير الزمان والمكان.

هنا نعود إلى مفهوم العلمنة الألمانية التي بدأ بها فويرباخ Feuerbach عندما نقض العهد القديم. وبعده الكتاب الشهير للمفكر الإسكوتلندي جيمس جورج فريزر James George Frazer، في كتابه "الغصن الذهبي The Golden Bough" الذي تكلّم فيه عن عادات وتقاليد الشعوب عبر الأزمنة، ويتبيّن منها أنّ "العهد القديم" مبنيّ على الأساطير. وقد استنتج فويرباخ  Feuerbach أنّ في الكون: الإنسان والطبيعة، وهما وجهان لحركة واحدة. وكان أرسطو Aristotle قد عبّر عن ذلك بقوله أنّ الطبيعة تتنفس وتنمو ولكن لا تتحرك، أما الحيوان فيتنفّس وينمو ويتحرك، ويدري ولكنّه لا يدري أنّه يدري، أما الإنسان فهو الذي يحكي ويتحرك وينمو، ويدري، ويدري أنّه يدري. اعتبر الفلاسفة الألمان أنّ الإنسان هو محور الكون، وأن الإنسان هو من ابتدع فكرة الله. وقد عبّر بولس الخوري في مجلة "آفاق" عن هذه الرؤية، حين قال إنّ الله هو فكرة وليس شخصًا؛ لأن اعتبار الله شخصًا يعني أنه محدود بالمكان والزمان، بينما إذا ذكر كروح، فإن مخاطبته تُصبح كمخاطبة الأرواح القديمة. وقد أشار سبينوزا Spinoza إلى أنّ الإنسان لا يكتفي بالعقل، لأنّ لديه شيء مهم جداً هو الإحساس، فإحساس الإنسان أقوى من العقل. لذا، وعندما رجعنا إلى العلمنة المؤمنة، قلنا أنّ الإنسان يؤمن بإحساسه لا بعقله. فالإحساس هو الذي يُجسّد الله، الذي هو القوة الكامنة في الإنسان الآخر. وهكذا، حين يحبُّ الإنسان إنسانًا آخر بصدقٍ نابع من داخله، يكون قد اكتشف الله في ذاته من خلال الآخر. ومن هنا تتبلور فكرة الحب، والأمر أشبه بفكرة "المِرآة": حيث إذا نظر الإنسان في المرآة، فلا يكون لكي يرى نفسه فقط، بل ينظر فيها أيضاً لكي يرى كيف يراه الآخرون. فالمرآة هي عيون الآخرين، فعندما تنظر إليها ترى نفسك من خلال عيون الآخرين فتجد حسّ الألوهة فيك. المسيح الذي يرمز إلى الحب، ليس كشخص، بل كرمز للحب، هذا هو الحب الذي هو محور الإيمان، أما خارج ذلك، تصبح الأمور عبارة عن حسابات عقلية، اجتماعية، طبيعية في الكون.

الإنسان مركب من خلايا تضعف وتسقط وتموت، فكما كتب الكاتب الشهير فرانسيس بيكون Francis Bacon، من أن الإنسان مضاف إلى الطبيعة، أي أننا نحن جزء من الطبيعة، وما يصيب الطبيعة يصيبنا كبشر، ولا علاقة لله في ذلك. الله هو الحب الذي ينبض في داخلنا. والعلمنة بالنسبة لنا هي "كل الإنسان" أي أنّ كل فكر ومشاعر الإنسان هي علمانية خاصة به. ويأتي من يقول لنا أنّ هذا إلحاد. كلا، وهو ليس بإلحاد، فالإلحاد هو الذي ينفي الله في حياتك، فما أقوله لك أنّ الله هو الحب، والحب لم يخلقك، الحب موجود فيك. يقول المسيح "ملكوت الله في داخلكم"، فبالنسبة لنا لا مكان مقدسًا، الكنيسة غير مقدّسة، والمذبح ليس مقدّسًا، والصليب والكتاب غير مقدّسين، ما من مُقدّس غير الإنسان. حتى الكاهن عندما يصعد إلى المذبح في الكنيسة، ليست الكنيسة والمذبح هما الذين يقدّسان الكاهن، بل الكاهن الإنسان هو الذي يقدّس المذبح ويقدّس الكنيسة. إذن، العلمانية هي تحرر الإنسان من كل هذه القشريات حتى يصل إلى الينبوع الذي في داخله ليكتشف ذاته. قال سقراط Socrates: "إعرف نفسك". ونحن نقول: إشعر بنفسك واشعر بحبك ترى الألوهة فيك.

ما هي نظرتك لتاريخ المواجهة بين السلطة الدينية والعلمانيين في أوروبا؟ وهل نعيش زمن "العصور الوسطى" اليوم في منطقتنا؟

كان الصّراع بين المؤسسة الدينيّة والمؤسسة المدنيّة موجودًا قبل المسيحيّة بحوالي ألفي وأربعماية سنة. أما المسيح، فهو لم يُقِم أي سلطة ولا مؤسسة. أما ما حطّم المسيحيّة وقلَبها فهو الملك قسطنطين Constantine في القرن الرابع ميلادي، هذا الملك المتوحش الذي كانت أمه متأثرة بالمسيحية والتي أتت إلى أرض فلسطين ونبشت وأخرجت الصليب وأعطته إيّاه، فظنَّ أنه بهذا الصليب سوف ينتصر على الأعداء. وقد قام قسطنطين Constantine بالتأسيس للشعبوية الدينية المسيحية للناس البسطاء، فتصوّر هؤلاء أنّ عليهم القتال من أجل المسيح، وهو الذي غاب قبل أربعماية سنة، فقاتلوا باسم المسيح، وأصبحت المسيحيّة في خبر كان، وما عاد لها علاقة بالمسيحية الحقيقية القديمة، بل تحوّلت إلى سلطة سياسية بكل ما للكلمة من معنى، حيث وضع قسطنطين  Constantineالتاج للبابا، وأطلق عليه لقب ملك الملوك. أما اليوم، برأيي، فلا سلطة للكنيسة. في القرون الوسطى كانوا باسم الكنيسة يقومون بالذبح وبحرق العذارى تحت شعار أنهن مدنسات من الشيطان ويبيعون صكوك الغفران في السماء، ولكن هذه الأمور لم تعد موجودة اليوم. عندما سقطت أبواب الباستيل Bastille في فرنسا سقطت معها هذه السلطة.

أما لبنان، فهو لم يكن يومًا دولة، بل كان عبارة عن إمارة لأمير، ثم اعتبره الفرنسيون جزءًا منهم، كما فعل العثمانيون قبلهم، فقسّموه على أجزاء، لكل عائلة حصّة منها. لم يكن لبنان يومًا دولة، ونحن لم نحصل على الاستقلال، بل على حكم ذاتي وإداري. لذلك، فالدول الأجنبية حاولت أن تفرض وجودها من خلال وسيلة واحدة ألا وهي الأديان. لذا، نحن لا نعيش القرون الوسطى ولا سلطة للكنيسة اليوم في لبنان كما أن سلطة الدين لم تعد مسيطرة حتى في الدول التي كانت تعتبر واجهة لدين معين، كالسعودية مثلاً، التي أصبحت منفتحة أكثر من أي وقت مضى، وأصبحنا نرى مظاهر الحريّة الدينية والمعتقدات فيها كما لم نرَ من قبل، ولكن الصحيح هو أن هنالك سلطة سياسية تختبئ وراء السلطة الدينية وتُسَيِّرُها بالاتجاهات التي تريد.

هل الإيمان، برأيك، بالله يمكن أن يُقَرِّب الإنسان من العلمانية؟

كل علماني حرٌّ في تشخيص الله. إذا أردت اليوم أن أعتبر أن الله هو شخص خارق، أو هو الذي خلق الكون من العدم، أو هو رفيقي. أو إذا أردت أن أعتبره رب إبراهيم، هذا لا يعني شيئًا. الإنسان يؤمن بما يشعر به، هذه هي العلمانية. العلمنة لا علاقة لها بما يؤمن به الإنسان. ولتوضيح الفكرة، في القديم، كان الناس يعبدون الأصنام والنار والنبات والشجر. ومثلاً جاء أحد الفراعنة في مصر، وبغية أن يفرض سلطته، أزاح الإله آمون Amun ولبس كنيته، ليفرض نفسه على بقيّة الممالك. فمع وجود إله واحد كرّس استعمار باقي الممالك. إلغاء الآلهة كان سيطرة على بلاد واسعة، وإلغاءً لمعتقدات شعوب لمصلحة فرعون يلبس ثوب الله ويدَّعي أنه الله وأنه يمتلك الحقيقة.

لماذا لا يمكن أن يكون لي إلهي؟ أليس المهم أن أؤمن؟ ما دخلك إن أردت أن أؤمن بإله غير إلهك؟ هذه حريتي. مثلاً، إذا أحببت امرأة، ووجدها شخص آخر بأنها غير جيدة، ما علاقته بذلك؟ أنا أحبها، وأنا حرّ في ذلك، إنه شأني. وما دام الإنسان مُتغيرًا ومُتبدلاً، فهو حر بإيمانه. أنا أقول بأنّ الإنسان حرٌّ بثلاث: بما يُفكّر، بما يأكل، وبما يحب.

ما هي، برأيك، الأسس لبناء دولة علمانية؟

نحن اليوم في مجتمعنا نتربّى على مفهوم ديني خاطئ مليء بالأساطير والعادات والتقاليد، لقد شهدتُ كثيرًا من الخلافات بين أمّهات وآباء خلال تعميد أولادهم وذلك فقط لأسباب سطحيّة، مثل، مَن سيحمل الطفل بعد تعميده! ألا تعتبر تلك سخافة في مكان يُعتبر مقدّسًا بحسب معتقد من دخلوه؟ الأمر مُعقّد في لبنان. نحن اليوم لا نحلم بدولة مدنيّة حالياً، نحن نحلم أن يكون هناك أشخاص مؤمنين بالقضية العلمانية يُقْدمون على تأسيس مدارس مثل مدرسة بطرس البستاني الذي افتتح مدرسة في العام ١٨٦٣، وسمّاها "المدرسة الوطنية". وهو من قال: "الدين لله والوطن للجميع". إن لم يكن لدينا مدارس من هذا النوع لا أمل للبنان.  

أتجد المحور الأساسي لبناء دولة علمانية هو التربية المدنية؟

طبعاً، التربية المدنية هي الأساس، يجب أن يوضع تربويون علمانيون، ليُعلّموا الأولاد كيف يرون في أنفسهم قيمهم الإنسانية. لا يقال أنا مسيحي لبناني أو أنا مسلم لبناني، يجب أن نصل إلى كلمة أنا إنسان لبناني. في وقت من الأوقات، كنت مسؤولاً عن ملف الانحراف في لبنان في وزارة الشؤون الاجتماعية ومثلته في جامعة الدول العربية، وقد اكتشفت أنه لدينا مشكلة ألا وهي مشكلة المدرسة والأهل والبيت. لا يكفي أن تُعلّم الولد في المدرسة دون أن يقوم الأهل أيضاً بدورهم في تعليمه على أسس إنسانيّة. بمعنى آخر، إذا لم يُقرر الأهل تغيير أفكارهم وتعليم أولادهم أفكارًا تجعل منهم مواطنين وإنسانيين، فلن ينجح الأمر. لذلك، المسار صعب وطويل.

كان لدي تجربة مع الشيخ ماهر حمود في صيدا، حيث كنت أنزل مع المطران سليم غزال إلى الثانوية وندخل الصف، أنا وحمود، ونقوم بتعليم ديني مشترك مسيحي إسلامي، فيطرح التلاميذ أسئلتهم ونحن نجيب عليها. أنا أقترح أن تستبدل مادة الدين بمادة التربية الوطنية. ولا أقصد هنا مادة التربية الوطنية التي تحكي عن الوطن والأخلاق الوطنية الممزوجة بالمفاهيم الدينية، بل التي تتحدث عن كيفية التعامل مع الآخر، كيف تقبل الآخر، كيف تحترم الآخر، هذا هو الأساس. عندما كنت أُدرِّس في المدرسة البطريركية، كنت أُشغِّل الدبكة في الفرصة الأولى للتلاميذ، وكانت تقام حلقات دبكة في الساحة، شباب وبنات، صغارًا وكبارًا. ولم يكن هناك أي مشكلة. ولكن في آخر سنوات، أصبح هناك تضييق حيث أصبح بعض الشباب يتمنعون عن إمساك أيدي الفتيات. حاولت كسر هذا السلوك لدى مشاركة فتيات فرنسيات من جمعية فرنسية الطلاب بحلقات الدبكة. فخجل الشباب وشاركوا الفتيات في الدبكة. وأذكر جيدًا، أنّه خلال شهر، بين أذار ونيسان، أصبح كل الشباب والفتيات يمسكون أيدي بعضهم خلال الدبكة. لما لا تمسك يد الفتاة؟ هل هي مدنّسة؟ إنها كالملاك. لما تحكم عليها بالتدنيس؟ لا يعقل ذلك.

إذا ما عاد الإنسان لنفسه يكتشف إلهه في داخله، يكتشف حبّه للآخر في داخله. أحبّت ابنتي شابًا في عمر الرابعة عشر، اسمه محمد. أحببتُ هذا الشاب، وكان أعز أصدقائها عليّ. وقد ارتاحت مدى، ابنتي، لأنها كانت تظن حسب قول أصدقائها أنني لن أقبل كوني خوري. ولكن عندما زارته في منزله، قاطعها أهله لأنها مسيحية. لاحقًا تركَته لأنه لم يستطع تخطي قرار عائلته كي يبنيا علاقة زوجيّة سويًا، مع أنني كنت أتمنّى أن يكملا حياتهما معًا. هذه مشكلة كبيرة.

ما هي أبرز النقاط التي يجب أن نعمل عليها للحد من الانقسامات الطائفية؟

ليس هناك انقسام طائفي، هناك انقسام سياسي، لا يوجد طوائف، تكفي كلمة "إلهنا وإلهكم واحد"، يعني ليس هناك من خلاف في العمق، الخلاف دائماً هو في السلطة. ولرجال الدين دورٌ بارز في الحد من ذلك. ولكن بالدرجة الأولى على رجل الدين أن يتحرر ماديًا. أن يكون لديه ما يستند عليه ليؤمِّن لنفسه دخلاً ماليًا.

ما الفرق بين الإيمان والدين؟

الدين مُركّب على مجموعة طقوس وعادات وتقاليد ومفاهيم، أما الإيمان فهو هذا الشعور الداخلي الذي تكلم عنه الفارابي أو الغزالي وقال أنه كـ "نور ينبثق من داخل الصدى". الإيمان هو هذا الشعور الداخلي الذي يرى كل شيء جميلاً، كل شيء محبًا. هذا هو الإيمان الصافي. اليوم، بالنسبة لي، لا يمكن للإنسان أن يكون متدينًا ومؤمنًا في الآن معاً. لأن الدين يبتعد عن الإيمان، يُدخلك في طقوس تضيع بها عن إيمانك الداخلي. أنا غير مُتديّن بهذا المعنى، ولكنني مؤمن للعظم. وهذا الكلام يأتي بعد 45 سنة من ممارسة هذه الطقوس. كنت في المعمودية، عندما أحمل الولد وأضعه بين يديّ والده وأضع عليه الزيت المقدس، أقول "أطرد الشر الكامن في قلبه، أطرد الشيطان". كيف لهذا الطفل الصغير أن يحمل في داخله شيطانًا؟ ليس هناك منطق في ذلك. عند الوفاة، عندما يقولون "الله يرحمه"؟ هل فعل خطيئة؟ لما تحكم عليه دون معرفة؟ لدينا ثلاثة شروط لمفهوم الخطيئة في اللاهوت العقائدي: إرادة كاملة، حرية كاملة، وضرر كبير للآخر. لذا، قاموا في كنائسنا بإلغاء كراسي الاعتراف. لقد كنت خوري في الأشرفية، كان هناك هيكل صغير يعترف الناس بجانبه. أتت إمرأة كبيرة في السن، وسمعتها تبكي، فنزلتُ وأخذتها بيدها وسألتها عن سبب بكائها، كان هناك أناس في الكنيسة يشاهدون ما يحصل، فقالت لي: "إنّ ابني كان مسافرًا إلى الخليج، وأتى لزيارتي فحضّرت له اللحم النيء وقد أكلت منه، وإذ بي أتفاجأ أنه نهار الجمعة، وأنا لا آكل الدهون في هذا النهار، لقد ارتكبت خطيئة!". فمسحتُ دموعها وأخبرتها أن لا بأس بذلك، وطمأنتها أن لا خطيئة عليها وأعطيتها بعض الكلمات لتقولها بعد أن أصرّت على أخذ جزاء. بعد أسبوعين من تلك الحادثة، تكرّر نفس المشهد، ولكن هذه المرة بسبب آخر، أخبرتني أنها قامت بالسّب، قالت "إن شاء الله موت" وأنّ هذا الفعل كان بسبب أولاد إبنها الذين أتعبوها. فأخبرتها أنها امرأة جيدة تضحِّي من أجل أولادها، وأن هذا الفعل ليس بخطيئة. في المرة الثالثة وجدتها تبكي أيضًا في نفس المكان، فما كان مني إلا أن قلت لها من بعيد، إن كنت قد أتيت بفعل عادي وتتهمين نفسك بالخطيئة فلا تأتي إليّ. هي تحكم على نفسها وتعيش عقدة الذنب بسبب مفاهيم وطقوس دينية تربّت عليها. إذن، مجتمعنا يتغير عندما  تتغير جذوره.

سوف ننتقل معك إلى سؤال شخصي: نودُّ أن نعرف أكثر لماذا قرّر ميشال سبع أن يكون كاهنًا؟

في صباي، أغرمت باليوغا وبالبوذية. تركت بيت أهلي عندما كنت في الثامنة عشرة من عمري، وذهبت إلى منطقة صحراوية خارج حلب في سوريا. قضيت هناك أربعين يومًا، لا آكل ولا أشرب سوى لبن العنزة. كنت أجلس لأراقب الشمس خاصة عند المغيب. أُغرمت بفلسفة فيتاغور الذي يقول أن النجوم تغنّي. كنت أحلم في ذلك الوقت أن أكون ناسكًا. بعدها، عندما عدت، دخلت الجامعة ودرست الهندسة الزراعية، قسم الأرصاد الجوية. ثمّ التقيتُ بالخوري ريمون أبو جودي الذي أصبح لاحقًا نائبًا للبطريرك صفير في لبنان، فتحدّثنا وزُرته لاحقًا في قرنة شهوان، حيث أعطاني ساعات في الفلسفة العربية في مدرسة "السان جوزيف". وأنا هناك، وبالصدفة، قابلت الأب أثناثيوس الحاج الذي كان مُكلّفًا بمسؤولية بيت شباب للمعاقين، ونمَت علاقة قوية بيننا. ثم أرسلني، وكنت في ذلك الوقت في أول العشرينيات من عمري، إلى دير سيدة طاميش، حيث تعرّفت هناك على راهب عجوز اسمه الأخ حنا، وصرتُ أزوره كل صباح، وأُرافقه يوميًا في مسيره من الدير إلى السهلة. وأذكر أنه كان كل مرّة يقف في السهلة أمام تمثال للسان تيريز، فيركع أمامه، ويبدأ بتقبيل التمثال والبكاء بحرقة، ما كان يجعلني أطرح على نفسي، أمام هذا المشهد، السؤال: هل كان يعشق التمثال حتى كان يبكي بهذا الصدق وهذه المشاعر عنده؟... لاحقًا، حصل لقاءٌ بين رئيس الدير والمطران سليم غزال، وكان لا يزال كاهنًا، فأخبره عني، فضمّني غزال إلى سنتر في دار العناية في شرق صيدا، وهناك عايشت كاهنين آخرين أثّرا بي، هما البطريرك لحام الذي كان أستاذي هناك، والأب سكاف الذي كان يُعلّمنا اللاهوت الأدبي. ومن خلال غزال انضممت إلى الجامعة اللبنانية حيث درست علم النفس، وتعرّفت من خلال الراهبة أوديل سماحة على المطران غريغوار حداد. ونشأت بيننا علاقة أبويّة بنويّة، استمرّت إلى أن أغمض عينيه.

حدِّثنا أكثر عن علاقتك بالمطران غريغوار حداد، وعن مجلة "آفاق"؟

لقد تعرّفتُ على المطران غريغوار حداد، عندما كانت محاولات التضييق عليه في أوجِّها. وكان حينها مطرانًا لبيروت. كان غريغوار حداد مُتجردًا من المال، لم يقصده أحد يومًا وردَّه خائبًا. هو الذي لم يكن لديه حتى في جيبه أحيانًا أجرة السرفيس. بعد ثلاثة أشهر من تعيينه مطرانًا، زارته امرأة كان ابنها يحتاج لعملية في المستشفى، ولم تكن تملك المال لمعالجته. والمعروف أن المطارنة يحتفظون ببعض المال للناس الذين يقصدونهم. ولم يكن لديه من مال حينها. فأخرج الخاتم من إصبعه وأعطاها إياه لتبيعه وتدفع ثمن العملية.

لقد ساهم بولس الخوري في مسار غريغوار حداد الفكري، والخوري هو أستاذ الفلسفة الألمانية واللاهوت الألماني، وكان كاهنًا سابقًا. شارك غريغوار أفكار بولس الخوري، وقدّمها للناس بلغة لبنانية بسيطة غير معقّدة مثل الخوري. لم يكن بولس الخوري يكتب أفكاره باللغة العربية، فكان يترجمها له الدكتور جيروم شاهين في مجلة "آفاق". سبّب الشعار الذي رفعه غريغوار حداد "كل إنسان، وكل الإنسان" انزعاج الكنيسة، وأضيف سبب إضافي آخر لحق به، هو كتابات حداد في مجلة "آفاق"، خصوصًا في العدد الأول، الذي حكى فيه غريغوار عن النقد الديني، هل النقد الديني مسموح أو ليس مسموحًا؟ فشعروا أن كراسيهم التي يجلسون عليها قد اهتزت. كتب غريغوار فقط أربع مقالات من أصل 64 عددًا في مجلة آفاق، وهذه الأربع مقالات كانت كافية لجعله خارج المطرانية والأبرشية. أيضًا، مُنعَ بولس الخوري من تعليم الفلسفة في كل المدارس المسيحية، وكذلك جيروم شاهين الذي عانى في آخر أيامه حيث كان يذهب من جامعة إلى جامعة ليستطيع التعليم مع أنه لم يحكم عليه من مجلس الأساقفة كما حُكم عليّ، لقد  مُنعتُ أنا من كتابة اسمي في مقالاتي حتى وصلت إلى درجة أن أستعمل اسم "وردة نخلة" حين أكتب مقالاتي، وبعد ذلك لم تعد الأمور تهمني. كنت بحاجة إلى المال بدوري، فعملت في الجامعة اللبنانية كأستاذ، كما كتبت كصحافي في جريدة السفير لمدة 27 عامًا. وكتبت لجريدة النهار أيضًا، وللأسبوع العربي ولمجلة الفكر ومجلة المعرفة. كما كنت أكتب مقالات للخارج، وقمت بأبحاث بالأنثروبولوجيا للمغرب العربي وغيره، وعلّمت في جامعات خاصة. لقد حُوصِرنا وحُورِبنا كثيراً.

ما رأيك بالبابا الراحل فرانسيس Pope Francis وبالبابا الجديد لاون الرابع عشر Pope Leo XIV؟

البابا فرنسيس كان إنسانًا صادقًا ومخلصًا في رسالته المسيحيّة. لقد قيَّدَته الباباوية، ولكنه كشخص كان يسير درب المسيح وتصرّف على هذا الأساس. لقد دخل إلى الرئيس الأفريقي وقبّل قدميه اعتذارًا منه عن كل الاضطهادات المسيحية. هذا الفعل لا يفعله إلا مسيحي. بالنسبة لي، كان البابا فرانسيس رائعًا جدًّا. أما البابا الجديد لاون فلا نستطيع أن نحكم عليه بعد، لكنهم يقولون أنه يشبه من سبقه في توجهاته. في جميع الأحوال، بالنسبة لي، إنّ أصغر ناسك على رأس الجبل، مُقدسٌ أكثر من كل الكنائس الموجودة، حتى لو كان أُمّيًا لا يعرف القراءة ولا الكتابة. كان هناك على طريق حلب راهب وناسك اسمه سمعان العامودي، كان يريد أن يبتعد عن الناس، فقام ببناء عامود من الحجارة وجلس عليه، وكان يرفعه شيئًا فشيئًا. عندما عرف به أحد الأمراء طلب منه القدوم إلى القصر، لكن سمعان العامودي اعتذر منه وأخبره بأنه لا يستطيع ترك العامود،  فأرسل له الأمير خبرًا مضمونهُ: هل تعرف أنني استطيع أن أسجنك؟ فضحك سمعان من كلامه، فهو في الأصل حابسٌ نفسه فوق العامود، فما الفرق؟! بعد أن توفي سمعان، أنشأوا له كنيسة كبيرة هي الأهم في الشرق، تهدمت لاحقًا، وبقي منها بعض الجدران، غير أنها بقيت مميّزة لأنها بُنيت بشكل غريب عجيب. هذا الشخص مثلاً هو أعلى من أصحاب المراكز الدينيّة بالنسبة لي.

ما هي أهم الكتب التي تأثرت بها؟

أكثر قراءاتي كانت في الفلسفة الألمانيّة والفرنسيّة. أما أهم كتاب قرأته فكان كتاب "الغصن الذهبي Golden bough" للكاتب جايمز جورج فريزر James Georges Frazer. وهذا الكتاب عبارة عن أربعة عشر مجلدًا جرى اختصارها في كتاب واحد. وهو برأيي كتابٌ يُقدِّس الإنسان.

سؤال أخير: ما رسالتك لتيار المجتمع المدني وللشبان والشابات العلمانيين؟

برأيي، يجب العمل على فكرة الحب الذي يجب أن تتحرر من المعيقات، كل أنواع المعيقات، كل معيق للحب بين شخصين بسبب الدين يجب أن يتخطوه، بسبب العمر، بسبب الثقافة، حتى بسبب الجنس، يجب أن يتخطوه. يجب التحرر من كل شيء. الإنسان هو المقدس. المسيحية تقول "خلق الإنسان على صورته ومثاله"، والإسلام يقول "خلق الإنسان في أحسن تقويم". ماذا لو بعد فترة من الزمن قاموا بأبحاث عبر الذكاء الاصطناعي وتم اكتشاف أن الكتب ليست أصلية، ماذا سيحدث؟ أول صفحات من الإنجيل اكتشفوها في سينا، تصوروا أن الفاتيكان بسطت يدها على الموضوع بعد أن أرسلت بعثة إلى هناك، وقد منعت هذه البعثة نشر أي صحيفة إلا بعد أن يسمح الفاتيكان بذلك. ما نقرأه اليوم يمكن أن يكون فيه شك، من يستطيع أن يجزم بأن ما هو مكتوب صحيح؟ أما أخبار اليهود، من يستطيع أن يجزم أنها صحيحة؟ ما معنى الكتاب إن لم يكن المحتوى هو الأساس؟ وإذا لم يمارَس المحتوى. بالتالي، أكرر، الإنسان هو المقدّس، ويجب العمل على فكرة الحب، أي محبة الإنسان، كل إنسان، وكل الإنسان.

***

آراء مفكرين مسلمين ومسيحيين مُجددين عرب في العلمانية والدولة المدنية - باسل عبدالله

 واجهت العلمانية في كثير من الدول العربية، منذ أواخر القرن التاسع عشر، موجات من المعارضة والتكفير، أكان على خلفية اعتبار مصطلح العلمانية مستورد من الغرب، أو على خلفية تصرف بعض المفكرين الرافضين لهذا المصطلح وربط أصله زيفًا بكلمة “عِلم”، مُعتبرين كلمة علمانية مُشتقةً منها ويجب أن تلفظ بكسر العين.

في المُقابل قدّم مُؤيدو العلمانية هذا المفهوم بمعناه الإيجابي المرتبط مباشرة بالهوية الإنسانية وبحياة الناس ومصلحتهم وتطورهم، باعتبار العلمانية نظامًا يساوي بين جميع الناس دون أي تفريق لجهة اللون أو الدين أو المذهب أو الجنس. ودافع أصحاب هذا الرأي عن العلمانية بوجه محاولات تشويهها وإقحامها في صراعات مع الدين، مُؤكدين أنّ المواجهة التاريخية في أوروبا لم تكن مع الدين بجوهره كإيمان بالله وكدعوة إلى الحرية والعدالة والمحبة، بل مع “السلطة” التي حكمت باسم الدين، لخدمة الحاكم المُتسلّط.

وقد وجدنا من المفيد، فيما يلي، تسليط الضوء على آراء بعض المُفكرين المسيحيين والإسلاميين المُجدِّدين في الخطاب الديني، والتي تناولوا فيها مواضيع العلمانية والدولة ونظام الحكم الأمثل.

مُفكّرون مسيحيّون:

في كتابه “العلمانية الشاملة”، يقول المطران غريغوار حدّاد بأنّ العَلمانية (بفتح العين)، هي نظرة شاملة للعالم (المجتمع والإنسان والفكر) تؤكد استقلالية العالم بكل مقوماته وأبعاده وقيمه وسلوكيته تجاه جميع المذاهب الدينية أو اللادينية والفلسفات على أنواعها، نظرة تتطلب الممارسة الفعلية ولا تكتفي بالأفكار التجريدية المحض. ويعتبر حدّاد أنّ العلمانية المجتمعية تعني استقلالية المجتمع المدني، بأفراده وتجمعاته، عن المجتمع الديني والعكس بالعكس، بحيث لا تتدخل التجمعات الدينية، أي الطوائف، في التأليف الوطني، لا بشكل قانوني – فدرالية الطوائف مثلاً – ولا بشكل واقعي عفوي، كما ولا يعتبر أي دين أو طائفة، دين الدولة أو طائفتها، وأنّ لمُعتنقيها امتيازات من دون غيرهم.

ويُوضح حدّاد في إحدى مقابلاته بأنّ “العلمانية شأن مجتمعي”، ويضيف: “أنا أؤمن بالمسيح، وإيماني الديني مهم في حياتي، هذا لا يعني أن لا ينعكس إيماني الداخلي على المجتمع. المسيح قال “كنت جائعًا فأطعمتموني”، يريدنا أن نتولى مسؤولياتنا في المجتمع ومسؤوليات سياسية جماعية، مؤسساتية وقانونية، وليس فقط فرديّة، ولكن ليس كمسيحي بل كمواطن لبناني، ونفس الأمر بالنسبة للمسلم”.

أما المطران جورج خضر فيقول في مقالة له في خضم الحروب الطائفية اللبنانية: “يبدو لي أنّ الدولة العلمانية التي تحترم كل دين وتُرحّب بكل مواطن كفؤ في المنزلة اللائقة بخدمته هي الأقرب إلى قلب الله”. وفي نفس هذا الإطار يقول الأب جورج مسوح في إحدى مقابلاته التليفزيونية: “يجب على الدين أن يجمع محبة ورحمة وإلفة بين الناس، لذلك، أرى أنّ الدولة المدنية هي الأقرب إلى الفكر الديني بمعنى المساواة والمحبة والرحمة، والمدني هو الأقرب إلى الذهنية الدينيّة ممّن يتكلّمون باسم الدين اليوم.

ويعتبر الفيلسوف والكاهن بولس الخوري أنّه “في الزمن البعيد، كان العالَم مُقسّمًا إلى إكليروس يملك المعرفة، وعلمانيين لا يملكونها. من هذا المنطلق، كان الإكليروس هو من يصنع الثقافة على أساس نظرته الدينيّة إلى العالم، وهي مرتكزة على مقومات هي: المعتقدات، والعبادات، والأسس الأخلاقية، والمؤسسات الاجتماعية والإمساك بالحياة السياسية. عندما تأتي الدنيويّة، تدحض تلك المقومات فلا يعود الشعب جاهلاً، إذ تثقّف؛ الثقافة تتطوّر ولا تعود ملك الإكليروس. حينها، يحصل نوع من التصالح بين العلمانيين والثقافة من جهة، وتنافس من جهة أخرى مع الإكليروس لأنّ الفريق الديني ثابت، غير متحرّك، أمّا الثقافة، فهي في تطور دائم. وفي نهاية المطاف، تقول الثقافة للإكليروس، أنتم مُتأخرون، وهنا تحصل القطيعة. ماذا تقول عندها الثقافة لمقوّمات النظرة الدينية؟ ترى أنّ معتقدات الإيمان أسطورية وغير عقلانية، وأنّ العبادات غير فعّالة أو واقعية، وأنّ القيم الأخلاقيّة مثاليّة إلى حد لا يمكن تحقيقها، وأنّه لا حاجة إلى المؤسسات الاجتماعية الدينية لأنّ المجتمع المدني بنى مؤسساته، فما جدوى خلق مجتمع في المجتمع؟ فليكن المجتمع شاملاً، وليكن الدين جزءًا منه”، ويضيف: “المجتمع مدني، وهو حكمًا مؤلف من التنوع الإنساني الموجود فيه، لكن الجامع لهذا التنوّع عليه أن يكون الدولة العلمانية التي لا تخضع لأي دين أو عقيدة. وهي تحافظ على حريّة كل مواطن من دون أن تؤذي حريته وحرية الآخر”.

من جهته، يقول المفكر والكاهن الدكتور جيروم شاهين: “العلمانية تحمل العديد من القيم التي أصبحت اليوم قيمًا شمولية لم يعد بوسع أي مجتمع، إذا أراد أن يكون حديثًا وأن يطبِّق شرعة حقوق الإنسان وأن يؤسس انتماء جميع أبنائه على المواطنة الواحدة وأن يطبِّق قيم الديمقراطية، إلا أن يعتمدها في تنظيمه وإدارته”.

مُفكرون إسلاميون:

تناول الشيخ محمد عبده مُفتي الديار المصرية منذ العام 1899، موضوع الدولة في كتاباته، وفيها يقول: “فالأمّة أو نائب الأمة (يقصد نواب الأمة) هو الذي ينصبه ( الحاكم ) والأمة هي صاحبة الحق في السيطرة عليه، وهي التي تخلعه متى رأت ذلك من مصلحتها. فهو حاكم مدني من جميع الوجوه، ولا يجوز لصحيح النظر أن يخلط الخليفة عند المسلمين بما يسميه الإفرنج ثيوقراطية أي سلطان إلهي، فإن ذلك عندهم هو الذي ينفرد بتلقّي الشريعة عن الله، وله حق الأثرة في التشريع، وله في رقاب الناس حق الطاعة”، ويصف محمد عبده أعمال الفتوحات الإسلامية بأنها “أعمال سياسية حربية تتعلق بضرورات الملك (الدولة) ومقتضيات السياسة، ومن ثمّ فهي ليست بالحروب الدينية”.

أما الشيخ علي عبد الرازق فقد أكد على مدنية الدولة في الإسلام في كتابه “الإسلام وأصول الحكم” الصادر في العام 1925 في مصر، حيث قال فيه: “عرفتُ أن الكتاب الكريم قد تنزّه عن ذكر الخلافة والإشارة إليها، وكذلك السنّة النبوية قد أهملتها، وإن الإجماع لم ينعقد عليها، أفهل بقي لهم من دليل في الدين غير الكتاب أو السنّة أو الإجماع؟ نعم بقي لهم دليل آخر لا نعرف غيره، هو آخر ما يلجؤون إليه، وهو أهون أدلتهم وأضعفها. قالوا إن الخلافة تتوقف عليها إقامة الشعائر الدينية وصلاح الرعية إلخ. المعروف الذي ارتضاه علماء السياسة أنه لا بد لاستقامة الأمر في أمة مُتمدِّنة، سواء أكانت ذات دين أم لا دين لها، وسواء أكانت مسلمة أم مسيحية أم يهودية أم مختلطة الأديان، لا بدّ لأمة منظّمة مهما كان معتقدها، ومهما كان جنسها ولونها ولسانها، من حكومة تباشر شؤونها، وتقوم بضبط الأمر فيها”، ويضيف: “القرآن كما نرى يمنع صريحًا أن يكون النبي، حفيظًا على الناس، ولا وكيلاً، ولا جبارًا ولا مسيطرًا، وأن يكون له حق إكراه الناس حتى يكونوا مؤمنين: ومن لم يكن حفيظًا ولا مسيطرًا فليس بمَلِك، لأن من لوازم المُلك السيطرة العامة والجبروت، سلطانًا غير محدود”، ويُضيف أيضًا: “والحق أن الدين الإسلامي بريء من تلك الخلافة التي يتعارفها المسلمون، وبريء من كل ما هيّأوا حولها من رغبة ورهبة، ومن عزّ وقوة. والخلافة ليست في شيء من الخطط الدينية، كلا، ولا القضاء ولا غيرها من وظائف الحكم ومراكز الدولة. إنما تلك كلها خطط سياسية صرفة، لا شأن للدين بها، فهو لم يعرفها ولم ينكرها، ولا أمر بها ولا نهى عنها، إنما تركها لنا، لنرجع فيها إلى أحكام العقل، وتجارب الأمم، وقواعد السياسة”.

في العام 1938، أصدر المفكر والأديب المصري طه حسين، وهو أحد خريجي الأزهر، كتابه “مستقبل الثقافة في مصر”، الذي حاول دمج الشرق بالغرب وإنكار التميز لحضارة الإسلام عن الحضارة الغربيَّة. وفي هذا الكتاب أنكر طه حسين دور الدين واللغة في الوحدة السياسيَّة للدولة، وقال: “ومن المحقّق أن تطور الحياة الإنسانيَّة قد قضى منذ عهد بعيد بأن وحدة الدين ووحدة اللغة لا تصلحان أساسًا للوحدة السياسيَّة ولا قوامًا لتكوين الدول، إن السياسة شيء والدين شيء آخر”. ولم ينجو طه حسين من التكفير والتهديد بالقتل بعد إصدار كتابه “في الشعر الجاهلي” لاحقًا.

وفي السودان، حمل المُفكر الإسلامي والسياسي محمود محمد طه، مؤسس الحزب الجمهوري في العام 1945، أفكارًا إسلامية مُنفتحة ومُتحرّرة من أغلال الأصولية وأفكار الحاكمية. ففي كتابه “الرسالة الثانية من الإسلام”، تبنى التجديد في الدين وفق أصول التسامح والمحبة بين الناس بناءً على المجتمع المكي الأول الذي أسس له النبي محمد في مكة المكرّمة قبل قيام الدولة في المدينة. وقد قسّم طه الإسلام إلى قسمين: الإسلام المكّي، والإسلام المدني، واعتبر أنّ الإسلام الحقيقي هو الإسلام المكّي الذي يعتبر أصل الدين، والمليء بآيات الرحمة والتسامح، في حين أّنّ الإسلام المدني هو فرعٌ في الدين، نزل على الرسول ليحكُم من خلاله في الزمن الذي كان يعيش فيه، وانتهى هذا الإسلام بانتهاء عصر الرسول، وبطلت معه آيات الجهاد والميراث والسبي والتمييز بين الرجل والمرأة.

قام حاكم السودان جعفر النويري الذي أعلن تطبيق الشريعة الإسلامية في السودان، باعتقال محمود محمد طه، واتهمه بأنه مرتدّ عن الدين، وقام بإعدامه شنقًا في العام 1986، كما أمر بحرق كتبه ورسائله ومَنَعَ تداول أفكاره!

نعود إلى مصر، حيث أعلن المفكر الإسلامي المصري نصر حامد أبو زيد أنه “ليس هناك في القرآن ما يمكن أن يُؤخذ منه، أو يُستنبط منه مفهوم ما يُسمّى الدولة الدينية. وكان الصحابة دائمًا يسألون النبي في أي سلوكٍ وفي أي تصرفٍ يقوم به: “أهو الوحي أم الرأي والمشورة؟” وكان هذا السوال يتكرّر، بل حين أراد النبي أن يخرج في غزوة الخندق، وأن يخرج ليقاتلهم في مكان، سألوه: “يا رسول الله: أهو الوحي أم الرأي والمشورة؟” قال: “هو الرأي والمشورة”، فقالوا: “نبني خندقًا.” إذًا، كأن الجيل الأول من المسلمين أي “الصحابة” يدرك أن هناك مجالين، مجالاً للعقل وللخبرة وللرأي والمشورة، ومجالاً للوحي. ولا يجب الخلط بين المجالين إطلاقًا”. ويضيف أبو زيد: ” كان الرسول نبيًّا، وقائدًا لدولة، وهذه صفة لم تجتمع إلا له، وكان يقود الدولة طبقًا لفهمه لقوانين الواقع، ولقوانين الصراع”، ويضيف أيضاً: “مفهوم الدولة الدينية نشأ متأخرًا… الخلافة منصب سياسي، ولم يكن أبدًا منصبًا دينيًّا، ولم يكن خليفة يدعي أنه يحكم باسم الله… لم تكن هناك دولة دينيّة في الإسلام، كانت هناك دول سياسية، تحاول أن تجد لها مشروعية أيديولوجية زائفة، باسم الإسلام، وبتوظيف الرموز الدينية… كل الأنظمة السياسية العربية، وجدت لنفسها مشروعية في الدين… في مفهوم الدولة الدينية يحدث نوع من تحويل الإسلام من طاقة روحية إلى قوة عراك مادية، وهنا يفقد الإسلام جوهره الحقيقي؛ لأنه يتحول إلى أداة، يتحول إلى وقود، يحرق من أجل أن تمشي عربة السياسة كي تصل إلى سدة الحكم. وهذا هو الخطر الحقيقي على الإسلام؛ لأن الإسلام يعيش إذا عاشه المسلمون، وليس إذا استخدمه المسلمون. وفرق كبير جدًّا بين أن يعيش المسلمون الإسلام وبين أن يستخدموه لحاجات أخرى”.

ويتابع أبو زيد كلامه متحدثًا عن العلمانية، فيقول: “لم تُجَرَّب العلمانية، لم يحدث أن أقيم مجتمع علماني في العالم العربي، وأنا أعتقد وأصرّ، وأدفع الثمن لهذا الإصرار، أن العلمانيّة هي الشيء الوحيد الذي يحمي الدين. حتى المتطرفون الدينيون يمارسون تطرفهم بحرية في المجتمعات العلمانية، بمعنى أن قاعدته الحرية، طالما أنك لا تتدخل في حرية الآخرين. وعندما نقول مُجتمعًا مدنيًّا، فإنّ أساس المجتمع المدني العلمانية… هنالك أكثر من علمانية، لكن للأسف العلمانية اختصرت، اختصرها رجال الدين، ورجال الدين هم الذين يتكلمون في الفكر السياسي ويتكلمون في الفكر الاجتماعي والديني والطبي… العلمانية الحقيقية هي علمانية تحترم الدين وتحترم الرأي الآخر، وتحترم حرية الإنسان في ممارسة ما يشاء، إذا فُرضت العلمانية بقوة العسكر عليه العوض فينا؛ لأن العسكر “إكستريم”، عسكر معناها تنفيذ الأوامر!”.

وفي هذا الصدد يقول المفكر الإسلامي السوري الدكتور محمد شحرور: “يختلط تعريف العلمانية لدى كثير من الناس مع الإلحاد، لدرجة أن إطلاق صفة “علماني” على أحد ما، يسمه تلقائيًا بصفة ملحد، لكن هذا الخلط لم يأت من فراغ، فبالنسبة للغرب وبعد عهود من تحكم الكنيسة بحياة الناس واستفرادها بالسلطة ومحاباتها للملوك باسم الدين، جعل المجتمعات الغربية تتحسس من موضوع تدخل الدين بالمفهوم الكنسي في شؤون السياسة، ممّا دفع بمفكريها ومُنظريها إلى رفض إقحام الدين في الفلسفة السياسية تمامًا، لأن الدين بالنسبة لهم يقابل سلطة الإكراه”، ويضيف: “الإسلام لا يتعارض إطلاقًا مع مقوّمات المجتمع المدني ومع الحق الطبيعي للإنسان في الحرية، وعلى رأسها حرية المعتقد، وأنه لم يعط الحق لأحد بالحكم باسم الله على الأرض، فالدين لا يملك أداة الإكراه، وهذا ما نقرأه في قوله تعالى {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة 156)، مع ملاحظة أن الإيمان بالله يوافقه الكفر بالطاغوت، أي رفض كل أنواع الإكراه التي تمارس على الإنسان مهما كان نوعها… وكون الدين لا يملك أداة الإكراه، فهذا يعني حتمًا ألّا سلطة فيه، وأنه والسلطة خطّان متوازيان مهما امتدّا لا يلتقيان، فالسلطة من التسلط والقهر، والدولة لا تقوم لها قائمة من دون سلطة تحافظ على هيكليتها، بعكس الدين تمامًا، وسلطة الدولة يجب ألا تتدخل في حياة الإنسان الشخصية ولا العقائدية، وتنحصر مهمتها في السهر على ضبط المجتمع فقط، وليست مهمة الدولة إرسال الناس إلى الجنة وإبعادهم عن النار… إن أدلجة مفهوم الحاكمية الإلهية هو هدف يطرحه كل من يريد استعمال الإسلام للاستيلاء على السلطة، أما القرارات التي اتخذها النبي لتسيير أمور دولته فهي ليست حجةً على أحد، فقد اتخذها كقائد، ولها بعد تاريخي فقط، ولأن النص النظري للرسالة لا يمكنه احتواء كل التطبيقات العملية لها، وإنما هي مهمة الجهد الإنساني وفق تغير الظروف الزمانية والمكانية، فهذا ما قام به الصحابة أيضًا، واجتهاداتهم إنسانية وليست دستورًا إلهيًا”.

ويعتبر شحرور، كما باقي المفكرين الإسلاميين التجديديين، أنّ أزمة الإسلام الحقيقية بدأت في القرن الثاني والثالث الهجري عندما استقر الحكم للعباسيين وأصبحت الدولة قوية جداً، وتمّ كتابة السيرة النبوية، ويقول في هذا الصدد: “ما وصلنا الآن بدأت صياغته في العصر الأموي ودُوِّنَ في العصر العباسي، وهو تدوين وصناعة إنسانية بامتياز، فمفاهيم الكافر والمُرتد والزنديق وُضِعَت في ذاك الوقت لتُناسب الدولة العظمى حينها”.

ويختم شحرور بالقول: “إن الإسلام لا يتعارض مع العلمانية، والناس بالنسبة له سواسية، يتميزون بقدر عملهم الصالح {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت 33)، ووَضعُ بند “الإسلام دين الدولة” في أي دستور لا معنًى له، بل يحمل مغالطة للتحكم برقاب الناس، والأفضل من هذا، التركيز على دولة المؤسسات والقانون، بحيث يحكم فيها أمثال ميركل وترودو من خلال مؤسساتهم لا شخصهم”.

أما فراس السواح الباحث السوري في الميثولوجيا وتاريخ الأديان، فيقول في نفس هذا الموضوع: “لم تكن هنالك دولة خلافة إسلامية في أي مكان عبر التاريخ لكي يتم إحياؤها، منذ دولة المدِينة التي أنشأها الرسول الكريم وحتى قيام الدولة الإسلامية في إيران”. ويضيف: “محمد بن عبدالله كان أول علماني في التاريخ، لأنه أول من فصل الدين عن الدولة، عندما أصدر، عقب دخوله يثرب، الوثيقة المعروفة باسم “صحيفة المدينة”، وهي أول دستور عرفته الثقافة الإنسانية، وحدد فيه واجبات وحقوق الجماعات التي تشكل المجتمع، من مسلمين ومسيحيين ووثنيين وأتباع مذاهب أخرى. محمد لم يحكم المدينة كنبيّ أو رسول بل كأمير سياسي، لذا، عندما كان يشير إلى نفسه كان يستخدم اسمه مُجرَّدًا من لقب رسول الله، على الرغم من أنه تابع النشاط الدعويّ إلى دين الله، من خلال ما يدعى في السيرة بـ “الغزوات”، التي قاد بعضها بنفسه، أو أوكل بعض الصحابة للقيام بها. وعندما ارتقى الرسول إلى جوار ربه لم يخلفه أبو بكر الصديق كمرجع ديني بل كأمير سياسي، وكذلك الحال مع بقية الخلفاء الراشدين وفي الخلافتين الأموية والعباسية”. 

ويقول الشيخ والمفكر اللبناني السيد هاني فحص في مقابلة أجرتها معه مجلة “تواصل مدني” في العام 2011: “نريد دولة مواطنة تتعامل مع الناس كأفراد وليس كجماعات، بمعنى أنني مثلاً، أنا كرجل دين، مواطنٌ لدي حق سياسي أمارسه، ولكن لا يمكنني كمواطن أن أمارس حقي السياسي باسم طائفتي”. ويضيف: “أنا رجل دين أريد العلمانية لأنني لا أريد دولة تنتج الدين لأنها ستفسد فيه، ولا أريد ديناً ينتج لي دولة لأنه سيفسد فيها، أريد الإثنين، الدين كاختيار ثقافي واجتماعي حيث يختار الإنسان طائفته، وهنالك اختيار آخر سياسي إداري، وهذين الخيارين هما حقلين معرفيين وعمليين مختلفين”.

وقد اعتبر السيد فحص في إحدى محاضراته أن “الاستبداد العلماني يمكن أن يكون أقل فتكًا من الاستبداد الديني بالدين وأهله”، و”إننا لسنا ملزمين بوضع الله خيارًا مقابل الإنسان”، معتبرًا “الدولة المدنية الديمقراطية هي المناخ الملائم للمحبة والعدل”. وأضاف: “الدولة الدينية تنتج الدين قطعًا” ولكن “على أساس أنها دولة وليس على أساس أنها دين”. وشددّ على أهمية الحرية التي هي ضمان “عدم العدوان والتشويه اللذان يأتيان من الجماعات المتعصبة”، وأن الديمقراطية “تحمي الناس من إنتاج الدين على حسابهم”.

أما السيد رحيم أبو رغيف، رجل الدين الشيعي العراقي، فقال: “الحريات في الإسلام أوسع مما نراه في العراق اليوم، والعلمانية هي دعوة لفصل سلطة رجال الدين عن سلطة الدولة”، وأضاف “رجال الدين عجزوا على مدى 1400 عام عن تقديم شيء ملموس للمجتمع، وكل الأحكام الدينية التي تقود للإقصاء تحتاج إلى إعادة نظر وتجديد قراءة النصوص الدينية التاريخية”، وأشار إلى أن “الهوية الوطنية في العراق تُعاني أزمة عميقة، حيث تَسبّب الموروث الديني والإسلامويون في تفاقمها”، وأنّ “الوطنية مذكورة في أدبيات الرسول وأهل البيت، وأن تحوّل الدين إلى هوية خلق إقصائية أثرت سلبًا على المجتمع”. ويعتبر أبو رغيف أنّ: “النظام السياسي في الدولة مفترض أن يقوم على أساس العلمانية”.

اكتفينا في هذا البحث بعرض بعض الأفكار والآراء التي قدّمها عدد من المفكرين التنويريين في العالم العربي، مع العلم أنّ لائحة المفكرين المُجدِّدين في الدينين المسيحي والإسلامي كبُرت، بحيث أصبحت الحاجة، أكثر من أي وقت سابق، إلى دوائر تواصل وحوار تضم المفكرين التنويريين الجدد، من المشرق العربي إلى مغربه، للعمل على بناء خريطة طريق جامعة للفكر التجديدي والتنويري العربي.

***

المراجع:

– كتاب “العلمانية الشاملة”- غريغوار حداد- دار مختارات- طبعة العام 2005.

– كتاب “الإسلام وأصول الحكم”- علي عبد الرازق– مطبعة مصر شركة مساهمة مصرية

طبعة العام 1993.

– كتاب “العلمانية بين التحليل والتحريم”- باسل عبدالله- الدار العربية للعلوم ناشرون- طبعة العام 2015.

– تقرير خاص- قناة الحرة- مقابلة مع د. محمد شحرور

– برنامج “أجراس المشرق” – قناة الميادين- مقابلة مع المطران جورج خضر.

– برنامج “أجراس المشرق” – قناة الميادين- مقابلة مع الأب جورج مسوح.

– برنامج “كلام الناس”- قناة LBCI – مقابلة مع المطران غريغوار حداد.

– فيديو من إنتاج “تيار المجتمع المدني” ومقابلة لمجلة “تواصل مدني” مع السيد هاني فحص- 2011.

– صحيفة النهار- مقالة “هل يخلص غير المسيحي” للمطران جورج خضر – 22/6/2002.

– صحيفة الأخبار – بولس الخوري: العلمانية تصون التنوّع الإنساني– 17/8/2011.

– صحيفة الجريدة – آراء جريئة لأبو رغيف في “المقاربة”– 31/12/2024.

– صحيفة المستقبل- العلمنة والتباساتها- د. جيروم شاهين- 7/12/2010.

– وبسايت إسلام ويب- الإنقلاب على الغرب العلماني- د. محمد عمارة- 15/1/2017.

– وبسايت ديمقراط سودان- العلمانية والإسلام – د. محمد شحرور- 3/9/2020.

– مجموعات الهنداوي- هكذا تكلم نصر أبو زيد (الجزء الثاني): المثقف بين السلطة وخطاب التحريم– ندوة جمعية الثقافة السودانية.

– السيد هاني فحص: الدولة المدنية الديمقراطية هي المناخ الملائم للمحبة والعدل– سيد مرحوم- منتدى منار للحوار- 11/7/2004.

– رويترز- طه حسين: “الإسلام دين الدولة” شرّع اضطهاد الرأي في مصر- 17/3/2013.

– وبسايت حرف- الباحث عن دين الإنسان.. فراس السواح: النبى محمد أول علمانى فى التاريخ نضال ممدوح– 9/2/2025

العدد 29 من مجلة تواصل مدني/ آب 2025: الدولة بين العلمانية والطائفية


 




صدر العدد 29 من مجلة “تواصل مدني” عن شهر آب 2025، وهو عدد عن “الدولة بين العلمانية والطائفية

رلبط عدد تواصل مدني رقم 29 PDF Document

لتصفح المجلة على هذا الرابط


أسرة التحرير

باسل عبداللّه   أديب محفوض

ريما عبيد      لمى الحاج حسن

ملاك دعكور  كاترين ضاهر

تصميم

رحاب ذبيان

تصدر عن

تيّار المجتمع المدني

الفهرس

افتتاحيّة العدد

مقابلة الأب د. ميشال سبع حول “العلمانية” و”الدين” – أجرى المقابلة: لمى الحاج حسن وباسل عبدالله

أسباب تجذّر النظام الطائفي في لبنان- إعداد أديب محفوض

جولة علمانية في العالم؟ – إعداد ريما عبيد

آراء مفكرين مسلمين ومسيحيين عرب مُجددين في العلمانية والدولة المدنية- إعداد باسل عبدالله

مزارع شبعا بين الواقع والقانون – ملاك دعكور

الدولة العلمانية هي الحل – باسل عبدالله

“اللقاء العلماني” في لبنان: مبادرة لجمع القوى العلمانية ولخلق حالة مدنية سياسية علمانية فاعلة- إعداد كاترين ضاهر

تصدر عن تيار المجتمع المدني

شكر خاص لمؤسسة فريدريش ايبرت للمساهمة في طبع المجلة ورقياً

تجدون النسخة الورقية لهذا العدد في النقاط التالية

في بيروت وضواحيها

مركز تيار المجتمع المدني – بدارو

مكتبة الحلبي -طريق الجديدة

كافيه ة مربوطة – الحمرا

– كافيه برزخ – الحمرا

مكتبة السبيل العامة – الباشورة

مكتبة السبيل العامة – الاشرفية (مونو)

مكتبة السبيل العامة- الاشرفية (حديقة الجعيتاوي)

كافيه رواق – مار مخايل

في الجنوب:

منتدى صور الثقافي – صور

التجمع الديمقراطي العلماني – صيدا

في الشمال:

كافيه يونس – طرابلس

كافيه ورشة ١٣ – المينا

في البقاع:

المكتبة العامة في بلديات المريجات

نادي الهرمل الرياضي الثقافي- الهرمل

مدرسة عقول حرة- الهرمل

الأحد، 3 أغسطس 2025

تحية إلى زياد الرحباني... من فرقة عكس التيار باند

أطلقت فرقة "عكس التيار باند" أغنية "تحيّة إلى زياد الرحباني"، نحية منها لروج الفنان اللبناني الراحل زياد الرحباني.

الأغنية من غناء عبدالله حويلي مع العود، ومن كلمات وألحان باسل عبدالله

رابط الاغنية على يوتيوب:


فرقة عكس التيار باند هي فرقة هادفة تطوعية ملتزمة قضايا المجتمع والإنسان، أصدرت أغنيات تناولت قضايا احتماعية وسياسية وثقافية 

الجمعة، 6 يونيو 2025

غريغوار حداد ... وقصة تيار المجتمع المدني


 

قصة تيار المجتمع المدني: وثائقي يحكي قصة تأسيس تيار المجتمع المدني

نص ومونتاج: باسل عبدالله

تعليق صوتي: راميا دندش

أرشيف: تيار المجتمع المدني